إعادة اعتقال بطل الـ 778
بعض الملفات القديمة لا يقفلها الإسرائيليون، فهل نحفظها نحن؟
ذهابهم إلى قلب جنين قبل أيّام لتدمير لوحة تذكارية للقائد العسكري، للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، خالد نزال، الذي اغتالوه عام 1986، دليل أن ثقافة التحدي التي قادها تخيفهم كثيراً، ولا يعتبرونها تاريخاً منتهياً. وحتى كتابة هذه السطور، على الأقل، هناك شخص آخر، هو جزء من قصة التحدي، اعتقله الإسرائيليون بعد 34 عاماً على إطلاقه و47 عاماً من عملياته.
وثَّقَ الكاتب الأسير المحرر، توفيق فياض، القصة في روايته "مجموعة عكا 778"، على لسان قائد المجموعة، المعروف باسم فوزي النمر. صورهُ في شبابه قريبة من نجم السينما المصري، وحش الشاشة، فريد شوقي. وتجد تفاصيل احتفال أهله به يوم عاد للوطن، في التسعينيات، وسيرهم في عكا تكريماً له يوم وفاته في غزه عام 2013. سيرته كلّها لا تلمس فيها رجفة، إلا وهو يقول لشقيقه قبيل وفاته، هاتفياً، "خيّا رجعني على عكا".
في الرواية قصة تفوق ما تضمنته أفلام المقاومة والعمل السري.
كانوا شباناً في فلسطين تأخذهم الحيرة والقهر من الاحتلال. لا نعرف لماذا قرر فوزي الزواج من يهودية، بينما يعمل على شاحنة لتوزيع المشروبات. ولا نعرف لماذا قرر محمد غريفات الانضمام للجيش الإسرائيلي. ولكنهما، وغيرهما، تساءلوا منتصف الستينيات: كيف نشعل الثورة؟
عندما أعلنت قوات العاصفة، الجناح العسكري، لحركة "فتح"، بيانها الأول، في الفاتح من عام 1965، جلس فوزي ورفاقه في مقهى الكراكون في عكا القديمة. لعل صهيل الدماء في عروقهم، يومها، شابهت صهيلها يوم تعلموا كباقي صبيان عكا، الذين يواصلون حتى اليوم، الصعود للسور والقفز في قلب البحر. تَخيّلوا أنّ مصر، وقائدها الأسمر، جمال عبدالناصر، هي من يدعم العاصفة، وأنّ قادة الحركة، تلقوا تدريباً وإعداداً في الثورة الجزائرية، وجاؤوا لإشعال ثورة. ولعلهم خفضوا صوتهم، عندما ناقشوا السبيل لإشعال الثورة في الداخل، لتلتحم مع الآتين على عبر الحدود والبحر، وتخيلوا البحارة القدماء قاسم أبو خضرا وعمر السيلاوي، يأتون لهم بالسلاح بحراً من لبنان. ولكن بعد أيام خفت الأدرينالين بالعروق، وهم يكتشفون أن تفجير خط المياه في عيلبون، لم يكن عملية كبرى، بل متواضعة، فيها ثغرات. وغضبوا عندما اعتقل محمود بكر حجازي، أول أسير فلسطيني، ظنوا أنّه يجب أن يقاتل حتى الاستشهاد، ولكن سرعان ما رفعوا رؤوسهم وصدورهم، وهم يسمعون أنباء صموده ووقفة العز في المعتقل والمحاكمة، وفكّروا بخطفه وجعله قناة الوصل مع الثورة.
بعد هزيمة العام 1967، بحثوا عن "فتح" في الضفة الغربية، ووجدوها. عاشوا حالات وقصص الإحباط من ضعف دعم القيادة لهم من الخارج. ولكنهم واصلوا الانتماء، وجاءتهم الرسائل عبر إذاعة الثورة، التي تبث من القاهرة، بعد أن أُعطوا اسماً رمزياً هو المجموعة 778.
جندّ فوزي غريفات والبحارة عبد حزبور، وفتح الله السقا، ورامز خليفة. أخذوا النجّار يوسف أبو الخير، لتنفيذ عملية، دون أن يبلغوه بما يفعلونه حقاً، وعندما اكتشف "توريطه" بالعملية، غضب لأنّهم شكوا للحظة أنّه قد يتردد بالانضمام للثورة، وأصبح منهم.
استهدفوا بالدرجة الأولى خطوط المواصلات (القطار)، وفجروا مصافي البترول والوقود وأنابيبه في عمليات اهتّز لها الكيان الصهيوني. ولم يكن غريفات الوحيد الذي ضللهم، بل تجاوب النمر مع محاولات المخابرات الاسرائيلية تجنيده، وضللهم. وبعد عملياتهم الأولى بدأ إيصال المطلوب من ذخائر وسلاح، عبر البحر، ببراميل، أحضرها أبو خضرا والسيلاوي، ليقبض عليهما في إحدى المرات، ويقبض على أحد أفراد المجموعة في نابلس.
حكموا مؤبدات عدة، لكنهم خرجوا في صفقة تبادل الأسرى عام 1983، وأبعدوا. لحقت أم حسين، بزوجها، الغريفي، إلى تونس، بعد أن كانت تواظب على توبيخه على عمله بالجيش الإسرائيلي، لتكتشف بعدها أنّه فدائي. لم يبقه المرض طويلاً، وتوفي، وعادت تعمل في دار نشر الأسوار، ليتوفاها الله في رمضان الفائت.
أمّا يوسف أبو الخير، فصار نجّاراً في اليونان، وعندما حاول العودة لعكا، بعد إجرائه عملية قلب مفتوحة، مؤخراً، وقال الإسرائيليون إنّهم سيسمحون له، اعتقلوه، ويعتقلونه منذ نحو أربعين يوماً.
أين قادة الثورة ومن أبرم "السلام"؟ ماذا يفعلون له؟
الغد 2017-07-14