شهداء وأسـرى بشكل يومي ولا شيء يتغير.. لماذا؟
بشهداء الجمعة الأربعة (3 منهم في عملية الأقصى التي قتل فيها جنديان صهيونيان)، وصل عدد شهداء انتفاضة القدس المتواصلة منذ تشرين الثاني 2015، 337 شهيدا، وأضعاف ذلك من الجرحى، إلى جانب آلاف الأسرى الذين مروا على سجون الاحتلال، لكن شيئا لم يتغير في واقع السلطة وسياساتها، ومعها حركة “فتح” التي تعطيها الشرعية.
يدخل الغزاة يوميا إلى مناطق السلطة، فيداهمون البيوت ويعتقلون الفلسطينيين، دون أن يزعجهم أمن السلطة، ويحدث أن يخوض بعض الشبان مواجهات معهم بالحجارة، فيما يعلم الجميع أن السلطة تكون على علم بالتفاصيل، وأقله بالمشهد بشكل عام، من حيث أن جنود الاحتلال يمكن أن يدخلوا وقت يشاؤون؛ وغالبا في الليل.
في مشهد الانتفاضة الراهنة، تبرز المبادرات الفردية بوصفها العنصر الأهم، ولا يحدث ذلك لأن قوى المقاومة قد تخلت عن السلاح، بل لأن الاستباحة اليومية من قوات الاحتلال، ومعها التعاون الأمني الحثيث من طرف السلطة، لا يترك مجالا لتشكيل خلايا يمكن أن تشكل خطرا (أبطال عملية الأمس في الأقصى من مناطق 48)، مع التذكير بأن المحاولات لم تتوقف، وهناك عشرات، بل مئات المحاولات التي تم إجهاضها، ومن يُعتقلون هم ممن تحوم حولهم الشكوك على هذا الصعيد، والنتيجة أن الحاضنة غائبة عمليا، بوجود سلطة متعاونة مع العدو، ومن ورائها تنظيم يؤيد المسار، وهو كبير وفاعل أيضا.
مشهد محزن بكل تأكيد، فالرفض للاحتلال وسياساته، وللسلطة ونهجها؛ كبير في الوسط الفلسطيني، رغم الصورة الخارجية التي يجري ترويجها من حيث ركون الناس للوضع الراهن، وانشغالهم بالعيش، لكن فرص المقاومة في ظل المعادلة التي تحدثنا عنها تبدو محدودة جدا، وهو ما يدفع الشبان إلى المبادرات الفردية كالسكاكين وعمليات الدهس، ونادرا ما يكون الأمر خلاف ذلك.
وفيما يمكن الحديث عن أوضاع عربية بائسة هذه الأيام، وبالطبع في سياق من تبرير مواقف السلطة، فإن النهج القائم لم يكن جديدا، فهو ذاته يمضي منذ 2004، ومن يتبنونه هم أنفسهم من خالفوا إجماع الشعب في انتفاضة الأقصى.
خلاصة المشهد، هي أن الاحتلال لم يعد مكلفا كما ينبغي أن يكون، بل تمت مساعدته عبر سلطة أراحته من الوجه القذر للاحتلال، وكُلفته الأمنية والسياسية والاقتصادية، فلماذا ينبغي عليه أن يقدم أي تنازل للفلسطينيين؟! وها إن الظرف الإقليمي، ووجود ترامب يزيد في غطرسته، ما يعني أن أي حديث عن تسوية سياسية هو محض بث للوهم ليس إلا، ومن يرفض حتى مجرد تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات، ويمعن في البناء والتهويد، ليس في وارد تقديم تنازلات، فضلا عن أن يمنح الفلسطينيين دولة كاملة السيادة على أراضي 67، بما فيها القدس.
إنه التيه إذن، وهو تيه تُسأل عنه قيادة السلطة والمنظمة وحركة فتح، لا سيما أن قصة الانقسام، لا تعدو أن تكون ذريعة بائسة، إذ يعلم الجميع أن تفسير إنهائه عندها لا يعني غير ضمّ القطاع إلى الضفة في التيه الراهن، من دون أن ننسى أن مساهمة حماس في ذلك باجتهاد خاطئ، عبر بتورطها في انتخابات أوسلو وسلطة غزة، وما ترتب على ذلك في مسيرة الحركة.
إلى متى يستمر هذا التيه؟ ليست لدينا إجابة في واقع الحال، بل إن هناك ما هو أسوأ يلوح في الأفق، إذ يبشرنا كثيرون بمسيرة تفاوض جديدة، تمنح بعض العرب ذريعة للتطبيع، وليتحول المؤقت الراهن إلى دائم، ربما مع بعض التحسينات البسيطة. وسيستمر ذلك إلى أن يفجّر الشعب انتفاضته الأوسع، ويقلب الطاولة في وجه الجميع، بمن فيهم أولئك الذين ساقوه إلى هذا التيه بعد أن سيطروا بمعادلة خارجية على السلطة والمنظمة وحركة “فتح” في آن.
الدستور 2017-07-15