دويلات طائفية عرقية عنصرية تشبه إسرائيل..
هزيمة داعش في العراق و» الأنتصار» في الموصل لا يعني اننا في وضع يسمح لنا الأعلان عن ولادة الزمن العربي الجديد، قبل الأنتصار في سوريا ودفن نتائج واهداف وتداعيات « الربيع العربي» ووضع الخاتمة والنهاية لمرحلة سوداء من حاضرنا العربي.
قد لا يتحقق الهدف بالسرعة التي نتمناها، بسبب النشاط الأميركي المكثف عبر الحدود العراقية السورية المشتركة، وهو الحراك الذي لا يسعى الى فرض حل سياسي للآزمة بل يهدف الى فرض حدود «الأقليم الكردي الآمن المستقر» في شمال سوريا، كخطوة اولية على طريق التقسيم، كذلك تعزيز شراسة العداء العربي – العربي الذي تحول الى سياسة رسمية يسخر منها التاريخ.
الذين يتابعون الحراك الأميركي العسكري والسياسي في المنطقة يعرفون الحقيقة التي يغيبها تعصب وغضب الأغبياء من أصحاب العقول المتوسطة ، لأننا لا نحتاج الى الكثير من العناء كي نعرف مصالح وأهداف الهجمة الأميركية العسكرية والسياسية، وفي مقدمتها تقسيم العراق وسوريا واقامة دويلات طائفية وعرقية..
واللافت أن التحرك الأميركي مصحوب بنشاط كردي في « الشمالين « وهو ما يزعج سوريا وتركيا والعراق معا. وقد تكون تصريحات مسعود بارزاني الفجة المكررة بشان الإستفتاء حول الإستقلال والإنفصال ، والإستقواء بالأميركيين شواهد على نوايا الولايات المتحدة المتجددة الهادفة تقسيم العراق.
بارزاني ، تعاون مع الإحتلال ، ولعب على التناقضات في العراق ، وابتز حكومات بغداد المتعاقبة وتلاعب بها، وساعد على تكريس وجود سلطات طائفية وعرقية في العراق ، وعدم تحقيق المصالحة الوطنية على مبدأ المشاركة والمساواة والعدالة ، كشف اليوم عن نواياه وعن دوره الحقيقي ومشاركته في تخريب نسيج المجتمع حين أعترف أنه عزف على وتر المشاعر المذهبية ودعم طائفة ضد آخرى من اجل المزيد من المكاسب والغنائم جراء تقسيم العراق.
وها هو بارزاني اليوم يلوّح بالأنفصال، رغم فوز الأكراد بحصة تجاوزت حقوقهم، بعدما اصبح لهم اقليمهم الذي يتمتع بكل السلطات اضافة الى حصتهم في مراتب ورواتب والمراكز العليا في السلطة المركزية ببغداد، وبذلك اصبح للآكراد رئيس لدولة الشمال غير المعلنة، الى جانب رئيس الجمهورية الكردي في بغداد، أي أن العراق من شماله الى جنوبه يحكمه كرديان ( بارزاني ومعصوم ).
بارزاني وجماعته يسعون الى انتهاز هذه الفرصة التاريخية لتحقيق اهدافهم، بالأتفاق مع الولايات المتحدة التي اندفعت الى الأمام بحماس غير مسبوق لتحقيق مشروعها الذي اعلنته في وقت مبكر والمتمثل باقامة الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل من دويلات طائفية وعرقية تحيط باسرائيل، وبالتالي انهاء الصراع العربي الاسرائيلي، خصوصا اننا بدأنا نسمع تصريحات نتنياهو المتكررة الذي يبشر الإسرائيليين بتفاؤل مفرط ، فيعلن بلا تحفظ أن دولا عربية عديدة لم تعد تعتبر اسرائيل عدوها.
هذه التطورات في المشهد الأقليمي تجعلنا نرى أن النشاط العسكري والسياسي الأميركي في المنطقة حراكا مشبوها يثير الشكوك، يهدف الى خلق دويلات طائفية وعرقية عنصرية تشبه اسرائيل.
ولكن ليس بالضرورة أن ينجح المشروع المشبوه، وهنا يحضرني قول الفيلسوف البريطاني الراحل برتراند راسل حين قال ما معناه أن مشكلة العالم في الأغبياء والمتشددين والمتعصبين الذين يثقون بانفسهم اشد الثقة دائما اما الحكماء فتملأهم الشكوك.
واذا كان نتنياهو يراهن على مخيلته السوداء وعلى نوايا وخطط الإدارة الأميركية الجديدة ، فيواصل الهروب الى الأمام من بوابة التصعيد والتهويد والإستيطان والأفراط في استخدام العنف والإعتقال والإغتيال ، ومنع الصلاة في المسجد الأقصى ، فهو يراهن على الوهم لأنه يسير عكس حركة التاريخ ، فالإحتلال الإسرائيلي هو آخر احتلال على وجه الأرض ، وفي نهايته تكمن كل الحلول.
في النهاية يجب ان نحاول اعادة تركيب ما انكسر في الروح العربية ، ونعمل على دعم صمود وثبات الشعب الفلسطيني فوق ارضه ، لأنه البطل التراجيدي الذي في قلبه الهدوء والغضب والسلام ، وهو الذي سيكمل الإسطورة..
الرأي 2017-07-20