"داعش" و"إسرائيل".. المبدأ والمصير..!
على الرغم من الاختلاف في الديمومة (نهاية "داعش" السريعة نسبياً، كطور في سلسلة التحولات الكافكية للأصولية)، يكاد مشروع "داعش" والمشروع الصهيوني في فلسطين يتطابقان في التكوين والأدوات والمبدأ، وربما المصير. ويمكن تعقب مجموعة من التماثلات بين الكيانين، ومنها من بين أخريات:
أولاً: انطلق مشروع "داعش"، مثل المشروع الصهيوني (إسرائيل)، من تبريرات ودوافع لاهوتية لتحقيق مشروع دنيوي. وهدَفَ كلا المشروعين إلى إقامة دولة في أراضٍ محتلة، بإحالة دينية واضحة: "الدولة الإسلامية" هنا، و"إسرائيل" (أرض الأجداد) هناك. والأساس إحيائي أصولي متشدد في الحالتين، حيث يزعم "داعش" استعادة الخلافة القديمة، ويزعم الصهاينة استعادة "أرض الميعاد"، أو "أرض إسرائيل"، ليقيما -بولاية إلهية- "الخلافة العالمية، و"إسرائيل الكبرى" على التوالي.
ثانياً: من حيث النشأة والدعم، أنشأ الحركتين ساسة أيديولوجيون، استخدموا النصوص المقدسة كأساس للتحشيد، وانضمت إليهم عناصر تشعر بالعزلة والظلم. وكان المصدر الذي ساعد صعود مشروعي الحركتين الأصوليتين، هو نفسه: الإمبريالية العالمية، ممثلة ببريطانيا ثم الولايات المتحدة ومدار نفوذها في حالة "إسرائيل"، والولايات المتحدة أيضاً ومدار نفوذها في حالة "داعش".
في الحالة الصهيونية، كان أول الدعم هو وعد بلفور، الذي سهل تصدير منفذي المشروع الاستعماري إلى فلسطين؛ وبعد ذلك، انتقلت رعاية "إسرائيل" إلى الولايات المتحدة، سواء بسبب خدمة الكيان غرض إدامة أزمة المنطقة، أو بسبب ضغط اللوبي اليهودي وقدرته على شراء قرار المؤسسة السياسية الأميركية. وفي حالة "داعش"، تأسس سلفه، تنظيم القاعدة، بشكله المدرب والمسلح الفاعل بتخطيط ودعم أميركيين، ليتم استخدامه ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. ومن ذلك الأصل نفسه، تكون تنظيم "القاعدة في العراق" الذي أنجب "الدولة الإسلامية في العراق وسورية". وهكذا، انتهى المطاف بمقاتلي "الفيلق اليهودي" الذي تدرب في أوروبا، و"مقاتلي الحرية" الذين تدربوا في أفغانستان، إلى العمل في نفس المنطقة: الشرق الأوسط وقلب المنطقة العربية.
ويُلاحظ أن أساليب الحركتين ودعايتيهما جلبت لهما أيضاً متطوعين غير أيديولوجيين من عشاق المغامرة أو المال. وعلى سبيل المثال، كان جزء كبير من طياري سلاح جو الكيان في بداياته من متقاعدي حرب فيتنام المحترفين، ممن جذبهم المشروع الصهيوني، كما انجذب إلى "داعش" أناس من نفس النوع. كما أن تكوين أتباع الكيانين ليس قومياً، وإنما ديني، حيث جمعت الصهيونية اليهود من كل جنسية، وجمع "داعش" المسلمين من كل جنسية أيضاً.
ثالثاً: من حيث التأثيرات، كان نتاج عمل المشروعين هو تمزيق المنطقة العربية وإعدام إمكانياتها وتأزيم سكانها. وسار التدمير والقتل ومنح الأنظمة الاستبدادية ذريعة للاستيلاء على حريات المواطنين ومصائرهم في ركاب الدواعش والمشروع الرجعي الذي يمثلونه، بقدر ما فعل مع "الإسرائيليين" الذين ساعدوا رعاة الرجعية والتخلف في المنطقة بنفس المقدار.
رابعاً: من حيث آليات تنفيذ المشروعين، كانت الفكرة هي احتلال الأرض وإخضاع السكان والتوسع حيث يمكن. وقد استخدم "داعش" في المناطق التي احتلها نفس أساليب الصهيونية في فلسطين: المذابح والتخويف والقمع الوحشي للسكان، والتسبب بهجرة المختلفين أو إبادتهم لخلق مجتمع "نقي" مخلص للأيديولوجية –إسلامي أصولي في حالة "داعش"، و"دولة يهودية" حصرياً في الحالة الصهيونية. ولا تختلف آليات "التوحش" الداعشية عن توحش الكيان الصهيوني في التكوين والتجسيدات، ولو أنهما ربما يختلفان قليلاً في طريقة "إدارة" التوحش ونتائجه. وإذا كان "داعش" قد أراد بفظائعه استدراج الجيوش ليهزمها في "دابق" ويجلب نهاية العالم، وفشل، تمكن المشروع الصهيوني من جلب الجيوش إلى فلسطين، وهزمها ونجح.
خامساً: من الملفت أن المشروعين، الداعشي والصهيوني، لم يتصادما، على الرغم من التناقض الظاهري بينما. وفي الحقيقة، ثمة علاقة تكافلية واضحة في عمل المشروعين اللذين يكمل أحدهما ما بدأه الآخر. ففي حين يحيل معظم المحللين صعود التطرف الأصولي الذي أنجب "داعش" –جزئياً- إلى المظالم التي صنعها وجود "إسرائيل" في المنطقة، وساعدت التنظيم في التجنيد، قدم برنامج "داعش" الطائفي خدمة لا تقدر بثمن للكيان، حين إعاد توجيه الاصطفافات في الإقليم على أساس داخل-إسلامي طائفي، لصالح تعتيم التناقض الأساسي مع مشروع "إسرائيل" العدواني. كما شغلت "مكافحة الإرهاب" الذي يمثله "داعش" مؤخراً انتباه المنطقة ومواردها تماماً عن الكيان، وأضعفت أي إمكانيات أو نوايا –إذا توفرت لدى أي جهة- لمعارضة مشروعه.
الغد 2017-07-30