إشكالات ومشكلات تربوية
كم كان مفرحاً قيام وزارة التربية والتعليم أخيراً بالإصلاح الجريء في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)! ومن ذلك إلغاء المعدل وصفة النجاح والرسوب من كشف العلامات. وكم كان الفرح أعظم لو ربطت مواد الامتحان كماً ونوعاً بالتخصص الجامعي الذي يرغب فيه التلميذ/ة. لكن يبدو أن مجلس التربية مستعصٍ، لأنه لم يفعل سوى تخفيض عدد المواد في الفرع الأكاديمي: العلمي والأدبي من عشر مواد إلى تسع بحجة زيادة فرص التلميذ/ة في الاختبار، وأبقى بقية الفروع على حالها. فأين هي زيادة الفرص في الاختبار بهذا القرار؟
أما مواد الثقافة العامة المشتركة فيجب أن تقتصر على اللغة العربية واللغة الأجنبية، فقد درس التلاميذ جميع المواد لمدة أحد عشر عاماً متواصلة وهذا يكفي.
المطلوب تحديد الحد الأدنى من المواد المطلوبة للتخصص الجامعي، وترك التلميذ/ة بعد ذلك يكتفي به أو يزيد عليه. لقد بينا أكثر من مرة الفائدة العظمى لذلك؛ يتخرج طلبة أقوياء في تخصصاتهم، وبالتالي يكونون معلمين ومعلمات أكفاء في موادهم.
لكن هذا الإصلاح الرقيق سيواجه مع ذلك جملة من الإشكالات والمشكلات... ومن ذلك – أولاً – لا معنى لربط مواد الامتحان – عدداً ونوعاً بالتخصص الجامعي إذا بقيت أسس القبول الجامعي القائمة على الكوتات والاستثناءات والإقصاءات التي تستحوذ على نحو 72 % من المقاعد الجامعية فاعلة. سيتسبب بقاؤها بخيبة أمل كبيرة عند التلاميذ الذين فشلوا في تحقيق رغباتهم بسببها.
ومن ذلك – ثانياً- أن توزيع تلاميذ وتلميذات الصف الثاني عشر في المدرسة سيربك البرنامج المدرسي إن لم يتم مسبقاً ترتيبه في كل مدرسة. وللقضاء على هذا الارتباك يجب معرفة اختيارات التلاميذ والتلميذات مسبقاً في نهاية السنة المدرسية للصف الحادي عشر وليس في بداية السنة الجديدة.
في مدارس المدن يكمن حل الإشكالات بسهولة بتخصيص مدارس معينة لكل فرع من الفروع إن لم تكن المدرسة الواحدة قادرة على استيعاب جميع الفروع. أما في مدارس القرى وبخاصة في المدارس القليلة العدد من التلاميذ والتلميذات، فقد يلزم توزيعهم على مدارس قريبة لتوفير عدد كاف منهم يستحق تعيين معلمين ومعلمات متخصصين كاملي الحصص عدداً في كل مادة. وقد تلزم الحاجة إلى ذلك السماح بالمشاركة (ولا أقول الاختلاط) في الصف بين البنين والبنات، وإلا فقد التلاميذ والتلميذات الاختيار بإجبارهم على الالتحاق بالفرع المتاح.
كما يجب وضع تعليمات تبين متى يصح للتلميذ/ة تغيير المسار وكم مرة يصح له ذلك، وفيما إذا كان يصح له اختيار المدرسة أيضاً. والتقدم إلى الامتحان في مواد أي فرع سواء درسها سابقاً أم لم يدرسها.
سوف تظهر الإشكالات والمشكلات للعيان في السنة الأولى من الإصلاح. وقد يستغلها بعض الناس لتوجيه تهمة الفشل أو التسرع في الإصلاح، أو للدعوى إلى الرجوع عن الإصلاح، ما يوجب الاستعداد مسبقاً أي منذ الآن لرسم الصورة الجديدة للمدارس والبرامج، وبحيث لا يتوافر لأصحاب العنزة وإن طارت أي مستمسك ضد الإصلاح.
نعم، ستستمر بعض الإشكالات والمشكلات، ولكنها ستتراجع بعد استقرار الإصلاح وتطورّه وألفة الناس له وتعودهم عليه، واكتشافهم لفوائده التربوية العظمى، فبواسطته سيحقق التلاميذ والتلميذات رغباتهم وميولهم، وتحصل الجامعات على أفضلهم في كل تخصص. وإذا نجح الأردن في هذه النقلة وصقلها عاماً بعد عام. فسيصل شعاعها إلى بقية البلدان العربية وغيرها. وسيصبح رائداً ومرجعاً في تطوير التربية والتعليم.
الغد 2017-08-04