زمن الكومبارس !!
اتاح لي التجوال في هذا العالم الذي كان كبيرا وشاسعا ذات يوم واصبح صغيرا وضيقا في عصرنا، ان اجلس في مئات المقاهي خصوصا تلك التي جلس فيها فلاسفة وشعراء وفنانون بدءا من سارتر وكامو وهمنجواي ونجيب محفوظ وغيرهم، لكن اظرف مقهى قادتني اليه الصدفة اسم غريب هو مقهى بَعْرة، وقد عرفت فيما بعد ان الفنان الراحل رشدي اباظة اطلق هذا الاسم على المقهى بلا اية دلالة، وزبائن مقهى بعرة الذي يبقى مزدحما في النهار والليل هم من الكومبارس وما يسمى في ادبيات السينما الدوبليرات او الاشباه، وهناك من قضى عمره يقوم بأدوار لا تزيد عن دقيقة لمجرد انه يشبه احد النجوم، فيسقط عن الدرج نيابة عنه، والحكايات التي سمعتها من معظم هؤلاء قابلة للتحليل النفسي، فالكومبارس في الواقع يتحول الى بطل في غياب النجم ويقلده في حركاته واحيانا في اسلوب كلامه .
وبعض هؤلاء الكومبارس لديهم قناعات بأنهم لم يصبحوا نجوما بسبب سوء الحظ او لتوفر فرص استثمرها غيرهم، وهناك بالتأكيد من يطعنون في سمعة النجوم سواء كانوا من الرجال او النساء ليبرروا عجزهم وبقاءهم على الهامش طيلة العمر.
وللحظة تخيلت مقهى آخر زبائنه من كومبارس السياسة والصحافة والثقافة، لكن مثل هذا المقهى غير موجود في الواقع، وان كان موجودا لكن تحت اسماء اخرى .
كومبارس السياسة ينتظر بفارغ الصبر موت البطل كي يتقمصه ويروي حكايات من الخيال يحقق خلالها ذاته وان بشكل زائف .
ولا يختلف عنه كومبارس الثقافة فهو في حالة فرار دائم من المثقفين كي لا يكتشفوا حقيقته وبالتالي يسقط عنه القناع، ولم يحدث في اي عصر ان احتل الكومبارس دور البطل كما حدث في ايامنا؛ لأن المهمومين والموهوبين انصرفوا الى العزلة وشعروا بالغثيان من كل ما يحاصرهم من سطحية وتفاهة وحلّ مكانهم الموهومون الذين امتلكوا موهبة واحدة هي القدرة على المحاكاة بحيث يتفوقون على القردة في هذا المجال، لكن هذه المرحلة لن تدوم كسابقاتها في أزمنة الانحطاط وما ان يعود الكومبارس الى مقهى بعرة بانتظار دور الشبيه الذي لا يدوم اكثر من دقيقة !!
الدستور 2017-08-06