بكين وطوكيو وبوادر الحوار الاستراتيجي
بالعودة الى الازمة في شبه الجزيرة الكورية يتبين ان الصين تعتبر اللاعب الاساسي القادر على تخفيف حدة التوتر واحتواء بيونغ يانغ؛ فحجم التجارة الكورية الشمالية مع الصين تعادل 90% من حجم تجارتها الخارجية؛ فالعقوبات لا معنى لها ما دامت الحدود الصينية الكورية الشمالية مفتوحة وما دامت سفن الشحن الصينية والروسية تتعامل مع كوريا الشمالية.
الصين تعد مفتاح الحل الحقيقي لكل من كوريا الجنوبية واليابان بدونها لا يمكن التوصل الى حل سياسي يحتوي التهديدات والمخاطر التي تمثلها بيونغ يانغ بزعامة كيم ايل؛ فاليابان التي انفقت ما يقارب الـ 450 مليار على البنية التحتية الامريكية بحسب الاتفاق الاخير مع ادارة الرئيس الامريكي ترمب ستقتنع عاجلا ام اجلا ان بناء حوار استراتيجي مع الصين المخرج الحقيقي لها والاقل كلفة فالاستثمار في العلاقة مع الصين هو الاجدى للمستقبل، وليس انفاق المزيد من الاموال على حليف يبدو عاجزا عن التحرك او عن اتخاذ اي قرار، خصوصا ان خيارته كلها سيئة.
الاهم من ذلك ان استراتيجية المواجهة الامريكية في شبه الجزيرة الكورية لا تستند الى تحالفات وشراكات قوية بعد ان حطم ترمب استراتيجية اوباما للباسفيك بتفكيكه للشراكة التجارية عبر الهادي، والتي هدفت لاحتواء النفوذ الصيني المتصاعد وانشاء تحالف جديد يقوم على الشراكة والتعاون وليس على التبعية والذعر؛ امر سيوفر المزيد من الحوافز لدول جنوب شرق اسيا وعلى رأسها اليابان وكوريا الجنوبية للبحث عن سبل لفتح حوار استراتيجي مع الصين وروسيا يرسي قواعد جديدة للعلاقة بين القوى الدولية والاقتصادية الصاعدة.
فالصين باتت ملاذا للكثير من القوى الاقتصادية والدول النامية التي ترغب في تطوير اقتصاداتها، وباتت تحتل مركزا مهما وبديلا موضوعيا للنفوذ الامريكي والغربي المثقل بأحمال التاريخ والمؤسسات المالية سيئة الصيت.
فإنفاق مبلغ نصف ترليون دولار على تطوير العلاقات الصينية والروسية مع طوكيو سيكون اجدى لصناعة مستقبل مشرق في منطقة شرق اسيا والباسفيك من انفاقها لتدعيم تحالفات مهترئة ومرتبكة مع الولايات المتحدة الامريكية دافعة نحو التبعية لا الشراكة؛ قراءة تظهر بين الفينة والاخرى في تصريحات المسؤولين وتفضيلاتهم المبهمة الى الان.
فأعضاء في الحكومة اليابانية على رأسهم وزير التجارة دعوا الى اغلاق القواعد الامريكية في اليابان؛ للتخلص من اعباء هذه العلاقة وتحرير سياساتها الخارجية، والاعتماد على الذات والمصالح اليابانية، وليس على مصالح الحليف الامريكي ورؤيته التي باتت اشبه ما تكون بعملية الابتزاز والتسويف لجني المزيد من الارباح بالاستناد الى استراتجية اثارة الذعر التي باتت امريكا جزءا منها على نحو غير مسبوق، بدل ان تكون المضاد الموضوعي لها مظهرة الصين كقوة السلام الحقيقية في المنطقة.
جنوب شرق اسيا والباسفيك ستكون ساحة مهمة لإعادة تعريف النظام الدولي وبداية لحقبة جديدة لا يعتمد فيها على مفهوم السلام الامريكي PAX American الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، ما يعني اننا على ابواب حوار استراتيجي في جنوب شرق اسيا ستتوالى الاخبار عنه مستقبلا فالعالم يستعد لحقبة جديدة سيكتب احد فصولها المهمة في جنوب شرق اسيا والباسفيك.
السبيل 2017-08-14