الصراع الكبير على دير الزور
رغم المعارك العنيفة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية في عاصمة تنظيم داعش في سوريا مدينة الرقة منذ حزيران الماضي بالاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية بمكوناتها الأساسية الكردية والتي من المنتظر طرد التنظيم منها في نهاية المطاف، إلا أن المعركة الكبرى المنتظرة ستقع جنوب شرق سوريا وتحديداً في محافظة دير الزور، وذلك بسبب شدة التنافس والصراع على هذه المنطقة الحيوية بين القوى المدعومة أميركيا وقوات النظام السوري وداعميه، أما الأكراد فعلى الأرجح عدم مشاركتهم في المعركة لأسباب عديدة.
معركة دير الزور المرتقبة سوف تكشف عيوب الخطة الأميركية في سوريا، فخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمحاربة تنظيم «داعش» في سوريا لا تختلف عن خطة سلفه باراك أوباما، التي تستند إلى تقديم الدعم للقوات الشريكة والحليفة على الأرض لطرد «داعش»، وتجنب أي تدخلات عسكرية أميركية مباشرة واسعة نطاق، وإعادة الإستقرار إلى الاراضي المحررة من قبضة التنظيم لاحقاً، وقد أفضت خطة الرئيس أوباما التي إنتهجت سياسة التقارب مع إيران، واعتمدت على الميليشيات الكردية التي تستفز تركيا ولا تتمتع بتأييد شعبي كبير في المناطق القبلية العربية إلى جعل الرئيس ترمب مكبلا في سوريا، في ظل غياب تفاهم أميركي – روسي واضح حول تقاسم إرث «داعش» في شرق سوريا.
رغم إصرار ترمب على توسيع استراتيجية سلفه بالتصدي لإيران إلى جانب داعش للحد من الأنشطة التوسعية الإيرانية في المنطقة، إلا أن هذه المقاربة تعاني من اختلالات واضحة، وتضع الخطة الأميركية في سوريا في معضلة خطرة تشي بإمكانية إندلاع مواجهة مباشرة بين واشنطن والقوات الموالية للنظام على الحدود السورية – العراقية، إذا ما أصرت طهران على إقامة ممر يمتد من إيران إلى لبنان، الأمر الذي يكشف عن محدودية الخيارات التي يملكها ترمب، فالتشديد على إلحاق الهزيمة بداعش، لا تسمح حالياً بإيجاد بديل فاعل وموثوق عن الميليشيات الكردية وهي قوات غير معنية بمعركة دير الزور، كما أنها قد تضع أنقرة وواشنطن على طرفي نقيض في اللعبة الجيوستراتيجية الكبيرة التي تلوح بالأفق في المنطقة، وهي مغامرة تهدد بتعثر عملية تحرير الأراضي من سطوة داعش في شرق سوريا وتضع واشنطن في مواجهة مباشرة مع طهران وقوات النظام السوري.
خلال الأشهر الأخيرة، تقدّم الجيش السوري في صحراء تدمر ومناطق الرقة الجنوبية، وسوف تتجه أنظاره نحو رفع الحصار الذي يفرضه تنظيم «داعش» على دير الزور، واستعادة حقول «العمر» واستكمال استعادة المحافظة بالكامل، نظرا لأهميتها الحيوية البالغة كمنطقة غنية بالنفط، والتي تشكل 50 في المائة من الإنتاج السوري، والتي تقع إلى الشمال من نهر الفرات بين مدينتي الميادين والبوكمال، وفي الوقت الذي تتقدم قوات النظام إلى الحدود العراقية من المنتظر أن تنظم إلى قوات الميليشيات الشيعية في الجهة المقابلة من الحدود العراقية.
في هذا السياق المعقد فإن خطة الولايات المتحدة بطرد داعش وحرمان إيران من ممر نحو المتوسط مثالية في الخيال، فهي تفتقر إلى القدرة على تنفيذه عمليا، ذلك أن الخطة تستند إلى سيناريو غير قابل للتحقق عمليا يقوم على أن أمبركا ستقوم بدعم هجوم للقوات الحليفة من العرب و» قوّات سوريا الديمقراطية « على الأرض في دير الزور، والسيطرة على الضفاف الشمالية للفرات للتقدم نحو الميادين، ليعبروا بعدها النهر ويتقدّموا نحو البوكمال قبل الاستيلاء على منطقة الحدود العراقية، وعلى الجهة المقابلة من الحدود، فسيقضي الجيش العراقي، وليس الميليشيات الشيعية، على وجود تنظيم «داعش».
لا شك أن سيناريو واشنطن مفرط في التفاؤل والخيال، ولا يتوافر على صلابة واقعية لأسباب موضوعية شائكة، فعدد القوات العربية الحليفة المدعومة من الولايات المتحدة في غاية الهزال والضعف، إذ لا تتجاوز قوات «جيش أسود الشرقية»، و»جيش مغاوير الثورة»، و»لواء تحرير دير الزور» الجديد أكثر من الألفي عنصر حسب أفضل التقديرات، ولا لهذه القوة المشتركة أن تهزم الآلاف من مقاتلي تنظيم «داعش»، وقد ظهر ذلك جليا في 29 حزيران/ يونيو 2016 عندما فشلت محاولة السيطرة على البوكمال فشلاً ذريعاً، وعندما تقدمت هذه القوات في ربيع عام 2017، براً نحو البوكمال من التنف، أوقفهم هجوم مفاجئ شنته الميليشيات الشيعية من تدمر نحو الحدود.
لقد برهنت محاولات الولايات المتحدة السابقة بالاعتماد على قوات حليفة عربية فشلها، الأمر الذي دعا إلى طرح خطة أكثر واقعية لكنها تعاني من القصور والخلل، وذلك عبر نقل القوات العربية الحليفة إلى الشدادي حيث يمكن دمجهم في «قوّات سوريا الديمقراطية»، الأمر الذي يسمح عندها بشنّ هجوم في مقاطعة دير الزور من الشمال، لكن المعضلة أن قيادة «قوّات سوريا الديمقراطية» ترفض دعم هؤلاء المقاتلين العرب.
إذا كانت الولايات المتحدة باتت تعتمد بصورة أساسية على الأكراد بعد تجربتها الفاشلة في تشكيل قوة من العرب المعتدلين، فإن الإشكالية أصبحت تتمثل برفض قيادة «قوّات سوريا الديمقراطية» الفعلية، أي «حزب الاتحاد الديمقراطي» وهو الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» الذى مقره في تركيا، دعم أي هجوم يقوده «لواء تحرير دير الزور»، كما أن حزب الاتحاد الديمقراطي يتوافر على قناعة مفادها أن الوجود الروسي في سوريا أكثر ديمومة من الوجود الأميركي، والأهم أن المكون الكردي لديه قناعة راسخة أن أميركا والغرب في النهاية لن يساندوا خيار إقليم روج آفا ضد تركيا الدولة الحليفة في «منظمة حلف شمال الأطلسي».
خلاصة القول أن الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية عملية لخوض المعركة الكبرى في دير الزور، نظرا لعدم وجود قوات حليفة فاعلة على الأرض، والقوات الكردية الفاعلة لديها شكوك حول أي وعود أميركية، وخصوصا بعد تخلي أميركا عن دعمها للقوى المعارضة السورية المعتدلة، وبهذا فإن «حزب الاتحاد الديمقراطي» وقوات المعارضة السورية العربية سوف تتردد في تأييد الاستراتيجية الأميركية في شرق سوريا بشكل أعمى من دون وجود ضمانات أميركية جدية طويلة الأمد، تقوم على ركيزة صلبة تستند إلى بناء قاعدة عسكرية أميركية دائمة، وتتبنى نشر عشرات الآلاف من الجنود على أرض الميدان، وهو أمر ليس على أجندة الخطط الأميركية حاليا.
الراي 2017-08-21