دولة في "التعاون الإسلامي" بوابة للإسرائيليين
لدى إسرائيل سياسة كلاسيكية قوامها التحالف مع الدول المحيطة بالعرب، بل الأكثر من ذلك القيام بصناعة أو دعم صناعة دول، ومن ذلك جنوب السودان، والآن محاولة مدّ علاقة مع أطراف كردية. وإذا كانت إفريقيا تاريخياً هي ذات أهمية خاصة في هذه السياسة، فإنّ الإسرائيليين يتحركون بتسارع لفرض واقع جديد في إفريقيا، لأهداف من ضمنها إنهاء الدعم التقليدي للفلسطينيين في الأمم المتحدة وغيرها، وستكون قمة توغو في شهر تشرين أول (أكتوبر) المقبل التي قد تجمع نحو 25 دولة إفريقية مع الإسرائيليين محطة مهمة في المخطط الإسرائيلي.
حضر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في شهر حزيران (يونيو) الفائت، قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، في ليبيريا، وهناك ملاحظتان، يجدر ذكرهما هنا؛ أنّ نتنياهو هو أول "رئيس" دولة غير إفريقي يحضر القمة، والثانية أنّ ثماني من دول المجموعة الخمس عشرة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وخطب نتنياهو في القمة قائلاً، إنّ تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع إفريقيا سيكون له أولوية قصوى.
وكمثال، على التقدّم الإسرائيلي في إفريقيا فإنّ العلاقات الإسرائيلية مع غينيا كوناكري، وهي دولة فيها جامعة تسمى جامعة جمال عبدالناصر، يشكل المسلمون نحو 85 بالمئة من سكانها التسعة ملايين، قطعت علاقاتها مع الإسرائيليين 49 عاما، لتعود هذه العلاقات منتصف العام 2016، حيث استقبل إبراهيم خليل، المسؤول في مكتب الرئيس هناك، دوري غولد وزير الخارجية الإسرائيلية، وصافحه بحرارة وأعادا العلاقات. ولغينيا أهمية إضافية كونها رئيسة الاتحاد الإفريقي، وهذا الاتحاد فيه عضو مراقب واحد، يحق له الحديث في القمة، هو فلسطين، وجزء من نظامه الأساسي الالتزام بحق الشعب الفلسطيني في الحرية.
في قمة ليبيريا السالفة التقى نتنياهو مع رؤساء مثل رئيس السنغال، لمناقشة لماذا تصوت مع الفلسطينيين في الأمم المتحدة، وخصوصاً رعاية قرار مجلس الأمن 2334 ضد الاستيطان نهاية العام الفائت. واتفق مع إبراهيم بوبكر كيتا، رئيس مالي (دولة إسلامية بدون علاقات دبلوماسية مع إسرائيل) على "تدفئة العلاقات".
كمحاولة على ما يبدو لاحتواء الموقف، زار وفد فلسطيني برئاسة وزير الخارجية رياض المالكي، غينيا، قبل أيام، وتم الشهر الفائت تعيين سفير فلسطيني جديد هناك. وقبل هذا توجّه الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إلى أديس أبابا، الشهر الفائت، لحضور قمة الاتحاد الإفريقي، وخاطب المؤتمر بوضوح قائلا إنّ "محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي للمشاركة في مؤتمراتكم الإقليمية، وترتيب مؤتمرات قارية لها، يشجعها على الاستمرار في غطرستها، واحتلالها لفلسطين، وإنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني". وإنّ "مواصلة تصويت بلادكم لصالح قرارات فلسطين سيحمي حل الدولتين". وأشار إلى "جاهزيتنا واستعدادنا التام، لتعزيز علاقات التعاون والشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارات مع اتحادكم العتيد ودوله الصديقة، وتبادل الخبرات في مجالات الزراعة والصحة والطاقة النظيفة، إضافة للتعاون في المجال الأمني وفي مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي".
ويتحرك فلسطينيون وعرب في الشتات بمبادرات ذاتية أيضاً لمواجهة المد الإسرائيلي برسائل ومناشدات للأفارقة، وتذكيرهم بأمور منها العنصرية الإسرائيلية ضد الأفارقة فيها، بمن فيهم اليهود.
في توغو (التي يشكل المسلمون 20 بالمئة من سكانها، و29 بالمئة مسيحيون)، وعضو منظمة المؤتمر الإسلامي، سيحاول نتنياهو تحقيق اختراق متعدد المستويات، سيقدم نفسه شريكاً في الحرب على الإرهاب، وبلداً سيقدم خبرات في الزراعة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها. وكما يستدل من خطاب الرئيس الفلسطيني، هناك محاولة لمواجهة ذلك، من خلال إطار تابع لوزارة الخارجية الفلسطينية (الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي)، الذي أُسس العام الفائت، لتعزيز العلاقات الدولية، عبر بوابات التنمية والتعاون.
تبدو فكرة منافسة الفلسطينيين للإسرائيليين بمشاريع تنمية أمرا مثيرا للاستغراب وحتى الابتسام، لحاجتهم الدائمة للدعم. ولكن في واقع الأمر عندما نرى أنّ دولا إفريقية يلتقيها ويستهدفها الإسرائيليون هي عضو في منظمة التعاون الإسلامي، ولها علاقات مع دول عربية، يجعل تقديم الشق المادي من الدعم والتعاون أمرا ممكنا عبر هذه المؤسسات والدول، مع طاقات بشرية فلسطينية.
الأكيد أنّ هناك هجوما إسرائيليا في إفريقيا وأماكن أخرى، وأنّ التصدي له يحتاج جهودا كبرى، ولكنه غير مستحيل.
الغد 2017-08-23