السيناريو الأكثر واقعية: تسوية بلا مفاوضات

تم نشره الأربعاء 06 أيلول / سبتمبر 2017 12:59 صباحاً
السيناريو الأكثر واقعية: تسوية بلا مفاوضات
عريب الرنتاوي

تنهمك المعارضة السورية في بحث صاخب حول مصير الأسد، وما إذا كان يتعين عليه أن يتنحى قبل بدء المفاوضات أم عند بدء العملية الانتقالية ... لا أحد من قادة المعارضة يبدي قدراً من الاستعداد للعيش أو التعايش مع الأسد بعد ذلك بيوم واحد ... هذا الجدل سيستمر بعض الوقت، لكن أحداً لم يعد يهتم بمتابعته، سوى رجل واحد، إنه ستيفان ديمستورا، فوظيفة الرجل وسبب حضوره السياسي والإعلامي، إنما يرتبطان أشد الارتباط بتنظيم موائد الحوار في جنيف، سواء بين المعارضات المحتربة ذاتها، أو بينها وبين النظام.
بعيداً عن  ثرثرات المعارضة في اجتماعاتها الماراثونية التي أخفقت في توحيد الصف ولم الشمل، يبدو أن مساري أستانا وجنيف بدورهما قد تحولا إلى قنوات مفرغة من أي مضمون أو عمل جدي، تلتقي الوفود ويلتئم شمل الاجتماعات والمجتمعين، فيما المفاوضات الجوهرية تجري في مكان آخر، وعبر قنوات ثنائية ومتعددة، وغالباً خلف أبواب موصدة في واشنطن وموسكو وبدرجة ثانية من حيث الأهمية، في طهران وأنقرة.
مسار أستانا ابتلع مسار جنيف، ويكاد يحل محله، أما وظيفته فتجزئة الأزمة السورية إلى مجموعة من الأزمات المتجاورة والمتراكبة، لكل منها ديناميكيته ولاعبيه المختلفين ... وإذ قيل إن مناطق خفض التصعيد، ستمهد طريق الحل السياسي الشامل للأزمة السورية، إلا أن المجريات على الأرض توحي بخلاف ذلك، فقد أصبحت هذه المناطق، هي الحل بذاته ... واشنطن وبعض حلفائها يراهنون على الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الترتيبات في تشكيل صيغة الحل النهائي ... أما دمشق وحلفاؤها، وبالأخص موسكو، فيراهنون كما بات يتضح على “تذويب” المعارضات والفصائل المسلحة تدريجياً، تبدأ المسألة بوقف لإطلاق النار، وتنتهي بتسويات وترتيبات و”تصويب أوضاع”، قبل أن تلتحق هذه المناطق بما فيها ومن فيها، بركب المركز والسلطة في دمشق.
وكلما انقلبت موازين القوى في سوريا لصالح النظام وحلفائه كما يجري الآن على نحو متسارع،  زادت فرص تحول مناطق خفض التصعيد إلى مكونات للحل النهائي، وكلما تعاظمت فرص إذابتها في إطار “الدولة/ السلطة” السورية، وكلما فقدت تدريجياً عناصر استقلالها ووظيفتها كأداة للضغط من أجل صيغة أكثر توازناً للحل النهائي، وربما هذا ما يفسر أن أكثر من صحيفة ومركز أبحاث ومسؤول غربي سابق، لم يترددوا في البوح عمّا يجول في دواخلهم من هواجس وتقديرات: “انتصر الأسد”.
الجبهة الجنوبية تنهض كشاهد على كيفية تحول مناطق خفض التصعيد، إلى مساحة مفتوحة لتقدم الجيش والنظام في مناطق سيطرة المعارضة، بعض الإجراءات التي يجري ترتيبها سواء بوساطة من عمان، أو بدور فاعل من مركز حميميم، توحي بغلبة سيناريو “عودة الابن الضال”، والمعروض على الفصائل المسلحة، التي طالما صنفت بالمعتدلة ذات يوم، ليس سوى صفقة مذلة في أقل وصف، وفقاً لما ورد من تسريبات، فالأوامر صدرت بالانسحاب إلى الخطوط الخلفية، خارج سوريا، وترك العائلات في معسكرات اللجوء والنزوح، وفي مهلة لا تزيد عن 48 ساعة، تحت طائلة ضياع آخر الفرص، وما ينطبق على الجبهة الجنوبية، يبدو مرشحاً للترجمة في مناطق الغوطة الشرقية وأطراف حمص، وربما في إدلب في مرحلة لاحقة، مع اختلاف في شكل الإخراج الفني للصفقات والتسويات المنتظرة.
ما الذي سيتبقى لمسار جنيف، بعد أن نجح النظام في غضون أشهر معدودات في استرداد أكثر من 80 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، وبات اللون الذي يرمز لوجوده، يغطي معظم مساحة سوريا، المفيدة منها وغير المفيدة ... ما الذي سيقنع النظام وحلفاءه، بأن يدخل في نقاش عقيم حول مستقبل رئيسه، وهو الذي بالكاد سيمنح المعارضة “تعديلاً وزارياً” موجهاً بالأساس لاستيعاب بعض رموز منصتي موسكو والقاهرة في الوزارات الخدمية، لا أكثر ولا أقل، ودائماً بعد تسوية أوضاعهم وتصويبها.
ما أن تضع الحرب على داعش أوزارها، وهذا أمر يبدو وشيكاً، ويفرغ الثلاثي التركي – الإيراني – الروسي من إنجاز ملف إدلب، حتى لا يعود للمعارضات السياسية والمسلحة، موطئ قدم على الأرض السورية ... هنا يبقى الملف الكردي بحاجة لكثير من الوقت والجهد والترتيبات الخاصة ... المفاوضات الحقيقية – للمفارقة – ستكون بين النظام وأكراد سوريا، هؤلاء الذي أخرجتهم المعارضة من مظلتها، وحيل بينهم وبين مساري جنيف وأستانا، إرضاءً لأنقرة لا غير، أما بقية المكونات، فمصيرها “التسويات وتصويب الأوضاع” أو مصير داعش والنصرة، هكذا يتطور السيناريو الأكثر ترجيحاً لحل الأزمة السورية.
لن يستطيع النظام مهاجمة مواقع الأكراد وطردهم بالقوة من مناطق واسعة سيطروا عليها، فهذه آخر ورقة لواشنطن في سوريا، وهي لم تقدمها لحليفها التركي برغم إلحاحه الشديد، والمؤكد أنها لن تقدمها للخصم السوري، ولن تجد دمشق الدعم الكافي من حليفها الروسي في هذه المهمة، بل قد تجابه الكثير من المصدات والكوابح الروسية ... المشكلة الكردية في سوريا بحاجة لحل سياسي – تفاوضي، والأرجح أنها المفاوضات الجدية الوحيدة التي سيضطر النظام لإجرائها مع خصومه المحليين، وهي مفاوضات ستصطدم بعوائق ومصاعب عديدة، تعود في معظمها إلى جموح الطموحات الكردية من جهة، و”المركزية القومية الشديدة” التي هيمنت على مواقف وسياسات حكومات وأنظمة وأحزاب ومثقفين عرب طوال سنوات وعقود ماضية عديدة.
باستثناء المفاوضات مع كرد سوريا، قد تجد الأزمة السورية طريقها للحل من دون مائدة مفاوضات جدية... ستظل الموائد منصوبة في أستانا وجنيف، لكن اللاعبين الجديين في الأزمة السورية، لا يكشفون أوراقهم هناك، ولا يجرون الصفقات والتسويات على مقربة من هاتين المدينتين... أما المعارضات بمنصاتها الثلاثة، فقد أخفقت في التقاط رسائل الوزير عادل الجبير، ولم تنتبه لكلمة مر عليها في “نصيحته” لهم: توحدوا وكونوا واقعيين قبل أن يتجاوزكم قطار الأحداث ... هنا نتذكر صيحة علي عبدالله صالح الشهيرة: فاتكم القطار، في حديثه لملايين اليمنيين المحتجين على حكمه، قبل أن تتدخل “المبادرة الخليجية” لإنقاذه ... يبدو أن قطار الحل قد فات المعارضة السورية هذه المرة، بعد أن مر بسرعة في مدن وبلدات سورية عديدة.

الدستور  2017-09-06



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات