ماذا بعد دير الزور ؟
شاهدت على شاشات الفضائيات لوحة يحجبها الغبار والدخان وفعل الزمن تحمل عبارة «دير الزور ترحب بكم «. وراء اللوحة التي تشير الى المدينة التي كانت محاصرة حتى أمس الأول منعطف تاريخي غير وقائع على الارض في الأزمة السورية، بعدما حقق الجيش السوري انتصاره بكسر الطوق الداعشي حول المدينة، وهزم سلالة الإنتقام والتطرف والإرهاب االمصابة بالتسمم الروحي والأخلاقي، والتي تمارس ثنائية الإنتحار والقتل المجاني، فيذبحون ضحاياهم وفي آخر النهار يطلبون الغفران.
وخلف اللوحة ايضا اسئلة كثيرة وكبيرة يلفها الغبار والغموض أيضا، نلخصها بالتساؤل: ماذا بعد معركة دير الزور، التي اعتبرها الرئيس الروسي نصرا إستراتيجيا؟!
الحقيقة ان الجيش السوري وحلفاءه هزموا التنظيم الإرهابي في معركة مفصلية سيكون لها اثرها الكبير على صعيد نتائج الصراع في سوريا، أولها افشال مشروع التقسيم والتمسك بوحدة سوريا ارضا وشعبا، وبالتالي هزيمة مشروع الشرق الأوسط الجديد. ولكن ما يقلقنا هو الموقف الأميركي – الإسرائيلي، هل تلزم واشنطن المتواجدة قواتها في شمال سوريا بموقف الحياد أمام هزيمة المنظمات المسلحة المتطرفة، وهل تلتزم اسرائيل الصمت الإجباري، ام اننا بانتظار مغامرة عسكرية، تعيد خلط الأوراق في سوريا، في مواجهة المصالح الروسية والإيرانية في المنطقة؟!
الأجوبة على هذه الأسئلة والتساؤلات تحملها الأيام القريبة القادمة،لأن الدبابات الأميركية ما زالت تسعى الى رسم حدود الأقليم الكردي في الشمال، لتكريس حالة التغيير في مكونات الدولة السورية، على غرار ما حدث ويحدث في العراق. كما أن وسائل الإعلام الغربية وبعض وسائل الإعلام العربية، ما زالت ممسكة بخطابها المعادي لسوريا، فالإعلام الذي يعتبر أي عمل مسلح، وفي أي مكان في العالم عملا ارهابيا، يحّول الإرهاب في سوريا الى «ثورة «، أو معارضة مسلحة معتدلة، الى أن غافلهم الغدر وارتد الإرهاب لينتشر في كل انحاء العالم!!
في ثنايا هذا المشهد السوريالي شاهدنا انسانية اميركا المضحكة لإنتهاكها كل المعايير الدولية والإنسانية، خصوصا عندما نعلم أنه سقط نتيجة التدخل الأميركي العسكري العديد من الضحايا المدنيين في دير الزور وغيرها من المدن دون ان يصيب داعش أي ضرر، كما شاهدنا النفاق الأوروبي الرخيص المتمثل بالتبعية، وعدم اتخاذ موقف واضح من الإرهاب في سوريا، الى ان ارتد الإرهاب ليضرب في اكثر من عاصمة وموقع.
في النهاية تأكد لنا ولكل المتابعين ان الصمود السوري المتمثل بتماسك الجيش ومؤسسات الدولة أضعف كل التحالفات في المشهد القائم، وفي زمن انقلاب الحليف على الحليف، حيث لا مواقف ثابتة، ولا تحالفات دائمة، بل هناك مصالح دائمة، لذلك تغيرت التحالفات، ولا تزال، بتسارع غير مسبوق، وانا على يقين بان التاريخ سيسخر من هذه المرحلة الطافحة بالخناجر العربية، على الرغم من قناعتنا بأن كل فريق سيكتب التاريخ حسب ما يناسبه.
ما حدث في دير الزور اشعل في داخلي شهوة الكتابة، لأن هذا الإنتصار قد يدفع باتجاه الحسم العسكري والحل السياسي معا، ويسرّع عمليات المصالحة الوطنية في سوريا، ويعزّز عملية التفاوض بعدما خسرت «المنصات المتشددة « رهانها على الأرض، واعتقد أن الحل السياسي في سوريا سيكون له الأثر الأقوى في فرض حلول في ليبيا واليمن، وسيكون له دور في الحسم العسكري في سيناء بعد تجفيف منابع تمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية في كل موقع، فالقضاء على الإرهاب ينهي حالة العنف والفوضى في المنطقة ويخدم السلم العالمي.
قلنا في الماضي ونكرر القول اليوم بانه عندما نتقدم في الطريق تتضح لنا المعالم اكثر، وما يحدث في سوريا يحافظ على وحدة الأرض والشعب، ويعيد للهوية العربية روحها وملامحها، وبالتالي يشكل حدا فاصلا بين تاريخين.
الراي 2017-09-07