عندما يعادي يهود الولايات المتحدة (نتنياهو) و(ترمب)
لم تكن أبدا ثمة أزمة في العلاقات بين يهود الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بالحجم الذي يلمسه اليهود الأميركيون اليوم. فهؤلاء يواجهون مشاكل مع إسرائيل من ناحيتين: الأولى تتعلق بما يرونه مساعي اليمين الإسرائيلي المتطرف سواء ما يتعلق بالتعاليم اليهودية وطرق تطبيقها من جهة، وجهود هذا اليمين إفشال خيار «السلام» مع الفلسطينيين والدول العربية من جهة ثانية. ففيما يهيمن تيار الأرثوذكسية اليهودية في إسرائيل في أوساط اليهود المتدينين ويعتبر تياراً متشدداً، تسيطر في أوساط يهود أميركا التيارات الأكثر ليبرالية ويدعى أتباعها باليهود المحافظين والإصلاحيين.
في الآونة الأخيرة، تزايدت الخلافات بين التيارين على خلفية أحداث المسجد الأقصى وقرار الحكومة الإسرائيلية اتخاذ تدابير، اعتبرها يهود أميركيون، متطرفة في إقامة الصلاة على الجدار الغربي للأقصى، وبأنها تأتي ضمن سلسلة الضربات التشريعية من المؤسسة الدينية الأرثوذكسية المتشددة في إسرائيل، الأمر الذي تبعه إعلان العديد من قادة التنظيمات والفدراليات اليهودية في الولايات المتحدة بأنهم سيعيدون النظر في العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية، لا بل سيفكرون بوقف تحويل التبرعات إلى إسرائيل. وقد أوضح هذا الأمر (سيث فاربر) الحاخام الأرثوذكسي الذي يقود منظمة «إيتيم» (منظمة تقدم المساعدة للإسرائيليين في الانتقال البيروقراطي الديني) حين قال: «إن الصدع حقيقي. اليهود الذين ليسوا من الأرثوذكسيين لا يتحولون فقط بشكل غير مريح، إنهم يقولون: هذه ليست إسرائيل التي نعرفها»، في إشارة إلى وجود يهود علمانيين بينهم، ومعظمهم من الولايات المتحدة. وبحسب الحاخام (اريك يوفي) الرئيس السابق للتيار الاصلاحي لليهود الأميركيين فإن «هذه الخلافات تؤدي بالفعل الى تدني التأييد لاسرائيل نتيجة المسائل الدينية والتطرف الديني في إسرائيل». ثم يستخلص: «أعتقد أن هذا الموضوع مثير للقلق فعلا.»
أما الناحية الثانية، فتتمثل بخشية يهود أميركا من النزعات الخفية الحقيقية في أعماق الرئيس (دونالد ترمب)، باعتباره رجلا عنصريا. وفي الأصل، لم يصوت معظم اليهود الأميركيين (لترمب) في الانتخابات الأخيرة. وبينما يستمر هؤلاء في دعم إسرائيل، ينظر كثيرون منهم بعين الريبة الى الجنوح نحو اليمين ليس في إسرائيل فحسب، كما سبق وأوضحنا، بل وأيضا في الولايات المتحدة ذاتها.
موقف (ترمب) في المساواة بين طرفي أحداث العنف العنصرية في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا جدد سلسلة الانتقادات له، خاصة لدى خصومه من الديمقراطيين، الذين يرفضون تقديم أي مبرر أخلاقي للجماعات العنصرية سواء في الولايات المتحدة أو في إسرائيل نفسها. وفي ظل مخاوف اليهود الأميركيين من نزعات (ترمب)، جاءت دعوة عضو مجلس النواب الأميركي (ستيف كوهين) الكونجرس إلى حجب الثقة عن الرئيس عقب تصريحاته المثيرة للجدل بخصوص أحداث شارلوتسفيل، حيث قال (كوهين): «بعد تعليقات الرئيس مرتين في رد على الأحداث المؤسفة في شارلوتسفيل، اعتقد بوجوب حجب الثقة عنه وعزله من منصبه». وعلل سبب طلبه هذا بالقول: «بدلاً من أن يدين (ترمب) بشكل صريح أعمال الكراهية للنازيين الجدد والقوميين البيض وعناصر الكلان (كو كلوكس كلان)، قال إن هناك أناسًا جيدين جداً في كلا الفريقين، لكن ليس هناك أي شيء جيد في النازيين أو عناصر الكلان (منظمة عنصرية تدعي تفوق العرق الأبيض)». واستطرد (كوهين) النائب عن ولاية تينيسي: «لقد فشل ترمب في الاختبار الرئاسي للقيادة الأخلاقية؛ فلا يوجد رئيس ذو أخلاق يخجل من الخروج علناً لإدانة الكراهية والحقد والتعصب». إذن، فاليهود خائفون، باعتبار أن عدم إدانة (ترمب) الأولى للنازيين الجدد في الأحداث هي مشاعره الحقيقية، أما الإدانة الثانية التي احتاجت ثلاثة أيام أخرى لتصدر عنه، والتي ربما أجبر عليها، فقد جاءت ناقصة ومثيرة للقلق.
أما في إسرائيل، فقد جاءت الانتقادات على استحياء، باعتبار (ترمب) من أكثر الزعماء الأميركيين دعما لإسرائيل، حيث قال عضو الكنيست (يائير لبيد) رئيس «يوجد مستقبل»: «عندما سار النازيون الجدد في تشارلوتسفيل وهتفوا شعارات ضد اليهود ودعماً لتفوق العرق الأبيض يجب أن تكون الإدانة لهم لا لبس فيها.» ومن جهتها، قالت عضو الكنيست (تسيبي ليفني) من «المعسكر الصهيوني»: «عندما يتعلق الأمر بالعنصرية ومعاداة السامية والنازية لا يوجد طرفان متساويان بل هناك خير وهناك شر». من جانبه، كتب (زلمان شوفال) يقول: «ما حصل في شارلوتسفيل يجب بالفعل أن يقرع جرس الإنذار في أرجاء أميركا بشكل عام وفي أوساط يهودها بشكل خاص، ومن شأن المشهد المخيف للنازيين الأميركيين والصلبان المعكوفة على قمصانهم وأعلامهم وإطلاقهم هتافات لاسامية مثل «اليهود لن يأخذوا أماكننا» أن يكرر نفسه أيضا في أماكن أخرى في أميركا. واضح أن إحدى نتائج الوضع ستكون ابتعادا آخر ليهود الولايات المتحدة عن رئاسة ترمب رغم تأييده الهام لإسرائيل». أما (يوسي شاين) فيقول: «أيام البهاء ليهود أميركا لم تصمد زمنا طويلا. تهب ريح فوضوية تعطي النبرة لكراهية اليهود في أوساط التقدميين والاشتراكيين الجدد من اليسار، مثلما أيضا في أوساط النازيين الجدد البيض من اليمين. اليمين الأميركي المتطرف يرى في ترمب المخلص من «السيطرة المعادية» لباراك أوباما وجماعته. شعارات كراهية اليهود، التي أطلقت بصوت عال في شارلوتسفيل جاءت لتقول أن اليمين المتطرف لن يسمح لليهود بأن يسيطروا أيضا على الرئيس الأبيض حبيبهم». أما (أمنون لورد) فيقول: «إزاء تضعضع الإستقرار والديمقراطية في أميركا، سيجد يهود الولايات المتحدة أنفسهم في وضع يهود أوروبا، خصوصا يهود فرنسا وبريطانيا».
الراي 2017-09-08