فك الحصار عن الأردن
بقي الأردن عمليا لسنوات طوال من عمر التحولات العربية محاصرا بشكل أو بآخر على حدوده كافة في الشمال والشرق والغرب، ولم يسلم من سياسات عربية واقليمية ساهمت بحصارات اخرى؛ في هذا الوقت تزداد احتمالات فك الحصار بفتح المعابر الحدودية الشرقية مع العراق عبر معبر طريبيل الذي أُعلن عن اعادة الحياة اليه مؤخرا، واحتمالات فتح معبر نصيب او جابر على الحدود السورية بعد نجاح جهود التهدئة على الجبهة السورية الجنوبية التي كان الأردن طرفا اساسيا فيها.
يحدث ذلك في الوقت الذي تزداد فيه احتمالات ان تضع الحرب السورية اوزارها بعد التقدم الذي بات يحرزه الجيش السوري على مختلف الجبهات، هذه الموجة من التحولات تفتح نافذة جديدة للاردن تدعو هذه المرة ان تعمل السياسة في خدمة الاقتصاد وليس العكس، فقد اتعبنا منظور الاقتصاد السياسي السطحي الذي حكم البلاد عقودا طويلة.
دفع الأردن ثمن الحصار غير المعلن على مدى ست سنوات من الشمال حيث الحرب الدائرة في سورية، وعلى الرغم من ان المقاربة الاستراتيجية الأردنية قد نجحت في ابقاء جنوب سورية بعيدا عن النيران الكبرى في معظم مراحل الصراع، الا ان الاقتصاد الاردني وبحسابات انطباعية خسر نموا تراكميا قد يتجاوز ما كان سينجزه على الاقل في خمس سنوات، وتحديدا بفعل توقف الصادرات الزراعية وحركة النقل وبفعل الآثار الكبيرة للاجئين على الموارد والبنى التحتية، أما حالة الطوارئ على الحدود العراقية وعمرها اطول فقد رتبت على الأردن اثمانا اقتصادية كبيرة، في المقابل بقيت الحدود مع اسرائيل طوال السنوات الماضية قلقة مع استمرار الازمات واحتمالات دائمة باستثمار اسرائيل للأوضاع في المنطقة واستغلال الانسداد في أفق المفاوضات والإقدام على خطوات أحادية مثل ضم بعض المناطق في الضفة والتخلي او الانفصال عن مناطق اخرى او اعمال احادية تحضر لها منذ سنوات في القدس المحتلة وبعضها حدث بالفعل.
الانفراج الاستراتيجي المحتمل على الحدود الشرقية والشمالية يفرض على الأردن اليوم تحديات ويتيح المزيد من الفرص والمصالح التي تحتاج اعادة تقدير دقيق للموقف السياسي والاستراتيجي لكي يعملا في خدمة المصالح الاقتصادية فلا توجد اولوية اليوم امام مؤسسات الدولة تسبق تحسين الاوضاع الاقتصادية التي باتت تشكل مصادر تهديد مباشر.
حالة السيولة التي يشهدها النظام العربي، تتيح المجال لتفاعلات بينية لا تقاس على مسطرة صراع الهويات المذهبية، الأمر الذي يعني إعادة تعريف المصالح الاردنية العراقية او المصالح الأردنية السورية بعيدا عن التحفظات التقليدية وفي أطر تتيح ولو جسّ النبض لعمق المصالح المتبادلة.
أمام الدولة الأردنية فرصة للبدء بتدشين رأس جسر عربي نحو بغداد ودمشق، ولن يكون ذلك لمصلحة الدولة العراقية او النظام السوري وحسب – وهما بأمس الحاجة لذلك-، بل ولمصلحة دول الخليج العربي وبالتالي لمصلحة الأردن. إننا معنيون بالحفاظ على صورة الأردن بدون تشويه في أوساط العراقيين والسوريين، من جماهير ونخب ومثقفين وقادة رأي وعشائر، الذين يعانون موتاً بارداً وميلاداً صعباً وعسيراً، في واحدة من أقسى وأدق لحظات تاريخهم. فالرهان الأردني يجب أن يتوجه نحو مستقبل العراق وسورية، وليس نحو حاضرهما وحسب، ويجب أن ندرك أن العراق يتشكل في هذه الأثناء بعد مسارات الفوضى والخراب، وان ندرك أيضا، ان العراق سيعود دولة محورية قوية ولديها كل الإمكانيات لهذا الدور، فيما ما يزال اليوم السوري التالي في علم الغيب.
الغد 2017-09-09