معارك الرقة ودير الزور بين الأوهام والحقائق
الرقة مدينة منسية وازدادت مأساتها تفاقما بعد الانشغال الاقليمي بمعارك تلعفر ومعارك البادية السورية بالقرب من المثلث الحدودي الاردني السوري العراقي؛ وتعمقت بعد تغير وجهة الحرب التي قرعت طبولها طويلا على ابواب مدينة الرقة نحو مدينة دير الزور بتأثير من التنافس الروسي الامريكي الايراني؛ اذ باتت الرقة ملفا مؤجلا لا يقع ضمن الاولويات الاستراتيجية للقوى المتصارعة.
فتقرير لصحيفة التايمز البريطانية كشف عن حقائق مؤلمة تتعلق بالرقة؛ اذ ظهر التقرير قبل اسبوع كنداء استغاثة او دعوة لإطلاق رصاصة الرحمة على المدينة بعد اكثر من شهرين من المعارك وعمليات القصف.
التايمز كشفت معاناة المدينة فسكانها واللاجئون يأكلون اوراق الشجر وتتناثر فيها الجثث في كل مكان والخدمات تعطلت بالكامل والفوضى تسود المدينة؛ بهذا المعنى الرقة تعد ساقطة من ناحية استراتيجية؛ فلماذا تستمر معاناتها ومعاناة سكانها؟ ولماذا اختفت من على رادار الرقابة والتغطية الاعلامية والاهتمام السياسي؟
تقرير صحيفة التايمز البريطانية لم يكن الوحيد اذ سبقه تقرير مشابه في صحيفة «نويه تسوريشر تسايتونغ» الالمانية غير انه لم يحظ باهتمام المراقبين كتقرير التايمز؛ فالميدنة تعد مدينة اشباح والمار فيها يفوق المتخيل فلماذا تستمر معاناة المدينة؟
الصراع على دير الزور والبادية السورية والحدود العراقية بات اكثر اهمية من معارك الرقة التي غيبت مأساتها بالكامل عن المشهد؛ والاهم من ذلك ان تأجيل دخول المدينة وحسم المعركة فيها بات مرتبطا بالمرحلة التي تليها والمتعلق بحسم مصير المدينة والطرف المسيطر عليها سواء كانت وحدات حماية الشعب الكردي او النظام السوري او القبائل العربية؛ وبمعنى آخر روسيا وايران ام امريكا والاكراد ام العرب و الاتراك.
مصير المدينة معلق بإرادة القوى الدولية والاقليمية فالقتال وعمليات القصف لم تعد ذات اهمية او جدوى وباتت تمرينا عسكريا على الارجح؛ فالمدينة ساقطة من ناحية استراتيجية لتستمر معاناة ساكنيها الى حين حسم الصراع في دير الزور والذي لا يبدو انه سيحسم قريبا بل من الممكن ان يشهد تكرار لمأساة الرقة في دير الزور؛ فداعش لم تعد الموضوع المهم في كلتا المدينتين؛ وانما الصراع الاقليمي ؛ امر تكشفت بعض من فصوله بأحداث قافلة داعش في البادية السورية؛ فداعش اصبحت الورقة التي تستخدمها الاطراف المتنافسة لتحسين فرصها في المناورة الى حين حسم صراعتها او تحسين اوراقها التفاوضية.
يوما بعد يوم يثبت ان المعارك في دير الزور والرقة لم تعد مع داعش او لمواجهة التطرف ودعم الجهود في الحرب على الارهاب؛ فالسباق والتصارع بات واضحا بين القوى الدولية والاقليمية التي اوهمت الكثيريين بوجود تفاهمات يثبت يوما بعد يوم انها غير موجودة على ارض الواقع بل هي وهم متخيل يروج له لغايات متعددة؛ حالة الحديث عن الاتفاقات كحال الحديث عن داعش فعملية اطالة عمر داعش الافتراضي تعد احد الحلول الممكنة للمماطلة واخفاء الحقائق غير المعلنة والتي يقف على رأسها عدم وجود اتفاقات حقيقية بين الاطراف الاقليمية والدولية.
يبرز ذلك واضحا في دير الزور التي لم تكن على قائمة التوافقات؛ لتبرز فجأة وبقوة بعد تسابق القوى المتصارعة للسيطرة على المدينة؛ فإيران وورسيا ترغبان بقطع الطريق على القوات الامريكية الطامحة بتوسيع منطقة نفوذها من التنف الى الحسكة والسويداء؛ امر بات من الماضي مفقدا التنف اهميتها الاستراتيجية.
امريكا في حالة يرثى لها تجملها بالحديث عن اتفاقات وتفاهمات يتم الترويج لها اعلاميا ما يزيد من حالة الامتعاض الصهيوني؛ ورغم الغارات الاسرائيلية الاستعراضية فإن التحركات على الارض السورية هي الحقيقة الثابتة والمهمة؛ ذلك ان الصدام مع الكيان الاسرائيلي لا يحتل مرتبة اولية الان؛ ويفوقه في الاهمية التحركات على الارض وحسم المعارك في الرقة ودير الزور والبادية السورية ما سيقود تلقائيا الى تلجيم الكيان الاسرائيلي وتقييده واحتوائه على الارجح من قبل روسيا مستقبلا؛ والاهم من ذلك تأزيم الموقف الاردني الذي سيبقى وحيدا للتعامل مع النفوذ الايراني والروسي مستقبلا.
فالحقائق تصنع على الارض مستبقة بذلك اروقة الدبلوماسية كما هو واضح؛ ما يوحي بأن التفاهمات الامريكية الروسية ما هي الا جزء يسير من عملية خداع كبيرة تمارسه الاطراف المتصارعة في سوريا لتلطيف الاجواء وتجنب الصدام حالها كحال اطالة العمر الافتراضي لداعش في سوريا.
السبيل 2017-09-11