الضغوط المعيشية تلقي بظلالها: هجرة واسعة من المدارس الخاصة إلى "الحكومية"
المدينة نيوز :- لم يجد الثلاثيني ابو حمزة خيارا آخر سوى نقل ابنائه الثلاثة من المدرسة الخاصة التي درسوا فيها منذ 10 أعوام إلى إحدى المدارس الحكومية، لعدم قدرته على تحمل المزيد من الاعباء المالية باعتباره المعيل الوحيد لأسرته المكونة من 4 ابناء.
ابو حمزة، ليس الوحيد الذي دفعته أوضاعه المعيشية إلى "تهجير" أولاده إلى المدارس الحكومية، فهناك آلاف الذين اتخذوا قرارا مشابها خلال العام الدراسي الجديد، لا سيما وأن ارتفاع أقساط المدارس الخاصة تحالف مع غلاء المعيشة وارتفاع تكالفيها ضد المواطن في مقابل دخل شهري ثابت.
ويشير ابو حمزة لـ "الغد" الى ان "الاوضاع الاقتصادية الصعبة وتآكل الدخول لا يمكنني وكثير من الناس من الاستمرار بالحاق ابنائنا بالمدارس الخاصة، والتي لا تراعي الاوضاع الاقتصادية لأولياء الأمور، فكل يوم هناك متطلبات اضافية باتت تشكل عبئا اضافيا على ميزانيته والتي لا تكاد تكفي لتلبية المتطلبات الأساسية للأسرة".
ويقول ابو حمزة "عندما ذهبت لتسجيل ابنائي بمدرسة حكومية قريبة من منزلي رفضت استقبالهم كونها تعاني من اكتظاظ في الصفوف، ولكن بعد محاولات متكررة وباعتبارها الأقرب الى منزلي اضطرت إدارتها لقبول ابنائي".
وكان السبب ذاته وراء اتخاذ امل عبد الرحمن هذا الخيار، عندما نقلت ابنتها تالا إلى مدرسة حكومية هذا العام، بعد أن قامت مدرستها الخاصة بزيادة قسطها السنوي.
وتوضح تالا لـ "الغد"، انها عجزت هي وزوجها عن تأمين قسط ابنتها في الصف الثامن في ظل الأعباء المتراكمة على الأسرة من اقساط جامعية وايجار منزل ومصاريف ومسلتزمات للعائلة في ظل دخل لا يتجاوز 1200 دينار، مبينة انه "لم يكن سهلا علينا الإقدام على هذه الخطوة، فقد اعتادت ابنتي على الدراسة في المدارس الخاصة".
وتشير الى ان المعيشة باتت صعبة جدا، بينما "الأسعار والرسوم بالمدارس الخاصة ترتفع ايضا وبطرق مباشرة وغير مباشرة، منها إلزام أولياء الأمور بدفع بدل حجز مقعد للعام الدراسي الجديد، بدون أن يخصم من القسط المدرسي، وكلف استيراد كتب أجنبية غير مقررة بمبالغ خيالية، ومبالغ كبيرة بدل أنشطة مدرسية، إضافة إلى أسعار الزي الرسمي المقرر".
في حين يضطر ابو احمد "ان يتحمل ضنك الحياة في سبيل ان يبقي ابنتيه في مدرستهما الخاصة" رغم مصاريف العائلة المرتفعة نتيجة ارتفاع الأسعار في المملكة.
ويقول ابو احمد "انني اتحمل ذلك العبء لأنني اريد ان اوفر لابنتي تعليما متميزا وهذا الأمر لن اجده في مدارس حكومية يصل عدد طلبة الصف في الشعبة الواحدة 65 طالبة".
ويبين انه وزوجته اضطرا للدخول في جمعية مع اصدقائهما في العمل "بقسط شهري لكل واحد منا يبلغ 100 دينار، لتأمين القسط المدرسي باعتباره افضل ما أستطيع ان أقدمه لهن في هذه الحياة".
ولا يختلف حال هؤلاء عن باقي الاسر الاردنية التي تتجدد شكاواها مطلع كل عام دراسي من ارتفاع الاقساط المدرسية لاسيما وان العام الدراسي الحالي بدأ على نحو ثقيل من الاعباء المالية والاقتصادية لتزامنه مع موسم الاعياد التي سبقها شهر رمضان.
وكان وزير التربية والتعليم عمر الرزاز كتب مؤخرا على صفحته على موقع "توتير" ان "هناك تحديات تواجه الوزارة خصوصا مع بدء العام الدراسي الحالي تتمثل بالهجرة المعاكسة من المدارس الخاصة الى المدارس الحكومية بالاضافة الى اكتظاظ الكثير من المدارس الحكومية".
ورغم عدم وجود احصائيات رسمية لاعداد المنتقلين من الطلبة من المدارس الخاصة الى الحكومية العام الحالي لاسباب "فنية" بحسب مصادر وزارة التربية، فان الفترة الماضية شهدت نزوحا كبيرا من طلبة المدارس الخاصة الى المدارس الحكومية، بحسب مراقبين.
وهذا ما اكدته أيضا احصائيات رسمية للوزارة، حيث بلغ عدد الطلبة المنتقلين من المدارس الخاصة الى الحكومية خلال العام الدراسي الماضي على مستوى المملكة 10171، في حين بلغ عدد الطلبة المنتقلين من الحكومة الى الخاصة على مستوى المملكة 1120 طالبا وطالبة.
وبلغ عدد الطلبة المنتقلين خلال العام الدراسي 2015/ 2016 من الخاصة الى الحكومية على مستوى المملكة 67513 طالبا وطالبة من بينهم 45233 داخل العاصمة. كما انتقل 12042 طالبا وطالبة على مستوى المملكة من الحكومة الى الخاصة.
بدوره، كشف مدير ادارة التعليم الخاص بوزارة التربية امين شديفات ان الوزارة "وافقت لعدد من المدارس الخاصة على رفع اقساطها هذا العام، في حين رفضت لعدد آخر بناء على مبررات ساقتها المدرسة لزيادة القسط"، موضحا ان "المبررات التي حددتها ادارة التعليم الخاص والتي تمنح على ضوئها الموافقة على رفع اقساط المدرسة هي: اضافة مبان جديدة، رفع ايجار المدرسة نتيجة لنقل موقعها لمبان مستأجرة جديدة، شراء باصات المدارس جديدة، اضافة مختبرات أو ساحات او مكتبات او ملاعب، زيادة نسبة الاقتطاع الضمان الاجتماعي، زيادة الحد الادنى للأجور للمعلمين".
واضاف لـ "الغد"، ان النظام المعدل لنظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة الذي صدر في 2 آب (اغسطس) الماضي نص على انه "لا يجوز للمؤسسة زيادة الرسوم الدراسية أو الأجور أو بدل الخدمات أو البدلات الاضافية اثناء العام الدراسي، كما لا يجوز زيادتها إلا بموافقة الوزير، بناء على تنسيب لجنة يشكلها من ثلاثة من موظفي الوزارة، وإحضار تقرير ضريبي من دائرة ضريبة الدخل".
وبين شديفات ان "هناك مدارس زادت اقساطها بنسب لم تتجاوز 5 % هذا العام الدراسي"، لافتا إلى ان النظام المعدل "منع المدارس الخاصة من زيادة اقساطها اثناء العام الدراسي وان عملية الرفع مرتبطة بموافقة الوزير، أما خلال العطلة الصيفية فهي علاقة تعاقدية بين ولي أمر الطالب والمدرسة لا تتدخل الوزارة فيها".
واشار الى ان "زيادة الاقساط المدرسية قد تكون سببا رئيسا في انتقال الطلبة من المدارس الخاصة الى الحكومية ولكنها ليست السبب الوحيد، فهناك العديد من الاسباب التي تدفع الاهل لنقل ابنائهم من ضمنها تغير مكان سكن الاسرة، وتغير دخل الاسرة، الظروف الاقتصادية التي تشهدها الاسر، وفاة رب الاسرة، انتفاء الجدوى بمعنى ان الاهالي لا يلمسون فرقا بين ما تقدمة المدارس الخاصة عن المدارس الحكومية، فهناك مدارس حكومية تقدم خدمة تعليمية افضل من بعض المدارس الخاصة".
يذكر ان عدد المدارس الخاصة بلغ 1350 مدرسة خاصة يلتحق بها 400 الف طالب وطالبة.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش انه "كلما زادت الاعباء على الاسرة تنخفض القيمة الشرائية للأسرة، وينعكس ذلك بالتالي على قدرة الاهل على توفير فرص افضل لتعليم ابنائهم"، فيما راى ايضا ان التعليم في "بعض المدارس الخاصة أصبح ذا هدف تجاري بحت وفرصة استثمارية لأصحاب المدارس"،
وأوضح عايش ان "معدل الرواتب في الاردن الذي يقل عن 500 دينار يدفع اولياء الامور الى التكيف مع الأوضاع الناجمة عن ارتفاع الأسعار، ويضطرهم الى نقل ابنائهم من المدارس الخاصة الى الحكومية".
وأضاف "في حال اتخذ الاهل قرار استمرار ابنائهم في المدارس الخاصة فإن كلف التعليم تزداد على الأسرة ليس على مستوى الأقساط فقط وإنما يتبعها قيمة الكتب والزي المدرسي والرحلات المدرسية والحفلات ومتطلبات العلاقات الاجتماعية بين الطلبة وهو ما يرهق الأسرة ويؤدي بالنتيجة الى تراجع التفكير بنوعية التعليم الى التفكير بالقدرة على اعطاء الابناء فرصة لكي يحصلوا على أي تعليم".
وعلى الجانب الآخر اشار عايش الى ان "حركة النزوح الكبيرة للمدارس الحكومية تؤدي الى اكتظاظها وتحول التعليم فيها لمحاولة استيعاب الاعداد المتزايدة من الطلبة المنتقلين من المدارس الخاصة، وهو ما يستوجب ان تضبط الجهات المعنية المدارس الخاصة بموازاة ضبط جودة التعليم فيها وما تقدمه من خدمات وانشطة لامنهجية، وأن تعمل بناء على ذلك على تحديد اقساطها، لا أن ينصاع الاهالي لمتطلبات الاقساط في ظل تراجع النمو الاقتصادي".
وفي الأثناء تعلن دائرة الاحصاءات العامة من خلال بياناتها مؤخرا ان "جميع الاسر الاردنية بالمعدل تعاني من عجز في دخلها، أي أن نفقاتها تزيد على دخلها وهذا يدفع بالعديد من الاسر لاتخاذ قرار بنقل ابنائها من المدارس الخاصة الى المدارس الحكومية".
من ناحيته، بين الخبير التربوي د. عبدالله عويدات ان "حرص الاردنيين على توفير تعليم أفضل لأبنائهم، وانحدار مستوى المدارس الحكومية واكتظاظ غرفها الصفية، أوجد توجها لدى الأسر بما في ذلك أسر الطبقة الوسطى خلال العقدين الماضيين لتسجيل أبنائهم بمدارس خاصة متحملين نتيجة لذلك ضغوطا مالية وصلت لدى البعض الى الاقتراض من البنوك لتسديد اقساط ابنائهم".
وقال عويدات "خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة ازدادت الضغوط المادية على الأسر بالتوازي مع ارتفاع الاقساط المدرسية ما شكل تهديدا لميزانية الأسرة خاصة إذا كان لديها اكثر من طفل بعمر المدرسة"، لافتا الى ان تآكل دخول الاسرة من الطبقة الوسطى والفقيرة وارتفاع الأقساط المدرسية وارتفاع الأصوات المنادية بإصلاح التعليم الحكومي "حسنت من صورة المدارس الحكومية".
واشار الى ان اولياء الامور اكتشفوا ان سبب تفوق نسبة كبيرة من طلبة المدارس الخاصة او الحكومية يعود لعناية الاسرة ومتابعتها اليومية لشؤون الطالب الدراسية"، موضحا انه "نتيجة للأسباب السابقة بدأت الهجرة العكسية من المدارس الخاصة الى الحكومية، وهو ما يفرض على المدارس الخاصة مراجعة سياستها ووقف زيادة الأقساط".