واشنطن ترمب.... والسلام المستحيل !
لدي شك عميق في ان ادارة ترمب ستمضي الى آخر الشوط في محاولتها الجديدة لتحقيق السلام الفلسطيني الاسرائيلي. فقد سبقها في واشنطن من تخلى عن محاولاته وفر هاربا من جحيم نزاع تختلط فيه البدايات والنهايات والتاريخ والاسطورة، وتتعدد فيه الحواجز الطاردة لمن يريد ويرغب في اجتيازها جادا مخلصا، اوممارسا لترف سياسي على سطح الازمة التي استوطنت المنطقة منذ مئة عام او اكثر .
ويرافق هذا الشك العميق، قناعة اكيدة ان ترمب وادارته يفكران في سلام آخر غير ذلك السلام الذي نعتقد انه مقبل علينا ....سلام يبتعد كثيرا عن المقبول والمعقول، ويقترب من الاسطورة التوراتية التي تحكم الموقف الاسرائيلي وعاشت في مساراته، ولاتزال تحدد خطوات اسرائيل نحو المستقبل .
وبين الشك والقناعة، لدينا نحن العرب رومانسية دائمة الحضور وزائفة، تنبت امالا واحلاما تحرك مشاعرنا في كل مرة، وتحاول اقناعنا بان السلام قادم لامحالة ما دامت واشنطن قد تحركت ومدت يدها لتلامس النزاع، فهي القادرة والفاعلة والضاغطة ولا غيرها يمكن ان يكون كذلك !.
ومع حركة الادارة الامريكية الجديدة يتجدد السؤال الذي ظل قائما منذ احتكرت واشنطن دون غيرها التعاطي مع هذا النزاع . وهو:هل مع كل هذا الصخب العالي والدخان الكثيف في الشرق الاوسط، سنكون امام تغيير ولو طفيف لحق بالسياسة الامريكية في المنطقة، ولم نتنبه له بالمتابعة والتحليل في الوقت الملائم وبالسرعة الواجبة؟
واذا اردنا اوحاولنا ان نجيب على هذا التساؤل، فقد يكون مناسبا ان نتفق اولا على ما يلي :
ان السياسة الخارجية لاي قوة عظمى تستند الى عنصرين رئيسين:
الاول : عنصر الاستمرار المستمد من الاستراتيجية العليا لهذه القوة الدولية، ومن طبيعة علاقاتها على هذا الاساس مع اطراف متعددة .
والثاني : عنصر طارئ يرجع الى ظروف مؤقتة، او يعود الى اسباب متنوعة بينها اختلاف الشخصيات والادارات وتباين امزجتها .
وقبل ان تنغمس ادارة ترمب في مستنقع النزاع، فانه لابد من القول ان الدور الامريكي مثير للشك على اقل تقدير، وليس داعيا الى الطمانينة. وحتى الان، فان هذا الدور لديه قناعة بان الضغط على الطرف العربي اولوية ممكنة اما الضغط على اسرائيل فهو غير مستحق واكثر من ذلك غير ممكن . ولذا لم نلحظ تغييرا ايجابيا على ثابت دائم في الموقف الامريكي، وهو الوقوف الى جانب اسرائيل في السراء والضراء، مخطئة او مصيبة .
والحق اقول . انه رغم ضغوط تفاعلات النزاع على العصب الفلسطيني والعربي، فان هذا الوقت وهذه الظروف ليست هي المناسبة والملائمة للتفاوض مع اسرائيل حول صراع محوري ووجودي يتعلق بشعب وبارض، وبحاضر ومستقبل طال انتظاره، وتم دفع ثمن غال ومتعدد الوجوه بشريا وماديا ونفسيا من اجل الحصول على ما يجب الحصول عليه.
ومثل هذه الدعوة ليست انفعالية مزاج اوحالة تعصب تخلقت خارج النص . بل ان قراءة الظروف والاحوال الثابتة والمستجدة على الداخل العربي والفلسطيني والمنطقة باسرها، علامة ظاهرة غير مستترة، لمن يدقق ويتابع، وسيجد بعد ذلك بان الاوراق الفلسطينية والعربية التي كانت على طاولة التفاوض قلت اوكثرت قد احترقت في معظمها وتحولت الى رماد. والتفاوض في الاساس، هو اوراق قوة لاعواطف تنساب الى القلوب والعقول من جوانب النزاع، لتتحول الى تفاعلات ايجابية على طاولة التفاوض .
وبالمقابل فان الولايات المتحدة ومعها اسرائيل، تملك كافة الاوراق بلا اشتباك مع احد، او شكوك حول امساكها باللحظة التاريخية التي تمر بها احوال العرب والمنطقة، واذا اضيف الى ذلك الامر الواقع على الارض، وايمان الطرف الامريكي “ الوسيط “ بجزء او كل من الاسطورة التوراتية، فاي نتائج يمكن ان نتوقع من هذا التفاوض غير المتكافئ ؟ !.
واذا خرجنا الى ظروف المنطقة والنزاع وعلاقتها بهذا التفاوض وتفاعلاته، فاننا لابد ان نشير الى ما يضاعف من الاحباط . ومما يجب ان نلحظ ونشاهد:
اولا : ليس هناك من حافز امريكي وحتى اسرائيلي على حركة نشطة وفاعلة من اجل نزاع فلسطيني اسرائيلي بارد يعلوه ثلج سيبيري، ولاتعبر عنه في هذه المرحلة، سوى بضع كلمات تتطاير بين المهتمين به، وتتحدث عن مثاليات ومبادئ حول الحقوق والقانون الدولي وغيرها من العناوين التي تعفنت في عمق النزاع منذ عقود. فالحوافز التي تدعو الى الحركة والنشاط والاهتمام هي الافعال والمخاوف والتوترات، التي تجبر المهتمين بالنزاع على اللهاث وراءها لاطفاء حرائقها قبل ان تمتد وتتسع .
ثانيا : ان عين واشنطن في هذه الظروف تتركز على الارهاب وسبل القضاء عليه، وهو على راس قائمة اولويات ادارة ترمب، وليس هناك ما ينازع هذه القضية في اولويتها واهميتها .
ثالثا : وعين واشنطن ايضا ومعها اسرائيل، على ما بعد داعش، وخصوصا على ايران وحزب الله، حيث التحدي الذي يهدد كما تقول واشنطن واسرائيل امنهما وامن المنطقة، وتلك قضية تضغط على السلوك السياسي والامني لكليهما .
رابعا : وعين واشنطن ومعها اسرائيل خصوصا، ترتيب الاوضاع في سوريا وضمان مستقبل آمن لكليهما في هذا الترتيب، الذي ستكون روسيا حاضرة فاعلة ونشطة في تطوراته ومستجداته .
خامسا واخيرا ، تفكر واشنطن ومعها اسرائيل في كيفية تحقيق اختراق علني للمحرمات في النزاع العربي الاسرائيلي، وذلك باقامة علاقات عربية شاملة مع اسرائيل، دون ان تدفع تل ابيب مقابل ذلك اكثر من ثمن ضئيل يتناسب ويلائم اوراق القوة لديها، وحالة الضعف لدى العرب.
وكل هذه القضايا ترسم ظلالا تحجب الرؤية عن تفاصيل النزاع والاهتمام به، وتتزاحم على قمة اولويات واشنطن وتل ابيب .
وبعد هذا وغيره، عن اي سلام اوحل نتحدث بل نأمل ونتفاءل . فالمعروض امريكيا ان لم يكن المفروض، سيكون حلا امريكيا، وهو في الحقيقة حل اسرائيلي !.
الدستور 2017-09-28