هل أدار أردوغان ظهره للاتحاد الأوروبي.. حقاً؟
يصعب أخذ «الغضبة» المفاجِئة التي أعلنها الرئيس أردوغان مع الاتحاد الأوروبي مثابة «طلاق بائن»، رغم ما حفِل به خطابه أمام البرلمان التركي الأحد الماضي، بإعلانه أن «تركيا لم تعُد بحاجة للاتحاد» وأن بلاده «لن تكون الجانب الذي يستسلِم»، محتفظاً لنفسه بخطّ الرجعة، ومُلقياً عبء القطيعة على بروكسل بقوله «لن نتخلى عن محادثات الإنضمام للاتحاد..» (تم ايقافها من جانب الاتحاد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016، احتجاجاً من الاتحاد على الاعتقالات الواسعة التي قامت بها حكومة أردوغان).
جزء من التأييد الشعبي الذي حازته حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة اردوغان، مرده الى نجاح الأخير في العام 2005 بـ»انتزاع» موافقة الاتحاد على بدء مفاوضات مع أنقرة لدخول النادي الأوروبي، بعد ست سنوات من «اعتراف» الاتحاد رسمياً بتركيا كمرشح للعضوية الكاملة فيه، وشاهد متابعو الشأن التركي الجماهير الحاشدة التي زحفت الى مطار اسطنبول لاستقبال أردوغان رئيس الحكومة التركية آنذاك استقبال الفاتحين، ظنّاً من هؤلاء أن أبواب الاتحاد قد شُرِّعت امامهم وانها مسألة وقت (كما وعدهم اردوغان) كي «يتأوّربَ» الأتراك ويصبحوا جزءا من نصف المليار أوروبي وأول دولة إسلامية تدخل النادي المسيحي (كما دأب اردوغان التشنيع على الاتحاد كلما تعثّرت المفاوضات أو تلكأ الاتحاد في فتح المزيد من القضايا والملفات التي يُفترض بالدولة المرشحة للعضوية، ان تستجيب لها وتُدخِلها في صلب قوانينها، كما حدث مثلا في ملف الغاء عقوبة الاعدام التي كانت صدرت بحق زعيم حزب العمال الكردستاني PKK عبدالله أوجلان (ما لبث اردوغان بعد محاولة الانقلاب الاخيرة ان اعلن تأييده لإعادة العمل بهذه العقوبة، مُشجِعاً البرلمان الذي يتوفر حزبه على أغلبيته، سيوقّع مشروع القانون بمجرد وصوله اليه، اذا ما قام البرلمان بتشريع اعادة العقوبة).
تطول «حكاية» انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، حيث لا يتردّد المسؤولون الاتراك في القول انهم «طرقوا ابواب الاتحاد منذ نصف قرن..دون استجابة، لكن الحقيقة ان انقرة لم تبدأ مسيرة إنضمامها للاتحاد، الا في العام 1987 ولم يعترف الاتحاد بتركيا «رسمياً» كمرشَّح للعضوية الكاملة إلاّ في العام 1999 كما سبقت الاشارة، فضلا عمّا شاب تلك العلاقة من توتر وازمات عديدة، لم تأخذ طريقها الى التهدئة إلاّ بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في العام 2002 وبروز تيار داخل الاتحاد يؤيد فتح المفاوضات، إثر تراجع تأثير المؤسسة العسكرية في المشهد التركي واكتساب الديمقراطية التركية «الوليدة» بعض المصداقية، بفوز حزب العدالة عبر صناديق الاقتراع وعدم معارضة الجنرالات للنتائج، رغم انهم لم يكونوا قد فقدوا.. بعد. قوّتهم وسطّوتهم (كما هي حالهم الان، نجاح اردوغان في استثمار محاولة الانقلاب، لتقليم اظافر المؤسسة العسكرية وإخضاعها للمستوى السياسي المُنتَخب).
يُدرك الرئيس اردوغان ان باب العضوية الاوروبية قد أُغْلِق امامه على نحو نهائي,، بل ان «المعسكر» الذي ابدى تسامحاً وتأييداً لانضمام أنقرة، قد بدأ يتراجع، ليس فقط تحت وطأة ارتفاع شعبية ونفوذ احزاب اليمين المتطرف والفاشي في اكثر من بلد اوروبي، بل وايضا لان التهجّمات اللاذعة والاوصاف القاسية التي نعت بها اردوغان اوروبا وخصوصاً زعماء ألمانيا وأحزابها,، بالنازية واعتبار اوروبا «مرتعاً «يُعربد فيه الارهابيون ويمارسون كافة انشطتهم ضد الحكومة المُنتخَبة في تركيا»، ناهيك عن دعوته علناً الجالية التركية في المانيا بعدم انتخاب ميركل والاحزاب المؤتلفة معها، قد اطاح اي احتمال بإبقاء الباب مفتوحا امام عضوية بعيدة المنال كهذه، وهو ما اعلنته المستشارة الالمانية بحزم خلال حملتها الانتخابية الاخيرة، متقدمة في تشدّدها على منافسها في منصب المستشارية زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتس، عندما قالت: «..من الواضح أن تركيا (لا) يجب ان تنضم الى الاتحاد الاوروبي، وأن محادثات الانضمام يجب ان تنتهي، على الرغم – استطردت – ان تركيا حليف اساسي لألمانيا في حلف الاطلسي».
واذا ما ناقشنا مسألة حلف الاطلسي، فان انقرة التي «عابت» على الحلف عدم وقوفه معها بعد محاولة الانقلاب، وخصوصاً عند الازمة الخطيرة مع موسكو، اثر اسقاطها الطائرة الروسية قبل عامين تقريباً (24 تشرين الثاني 2015) فإن توقيع تركيا على صفقة منظومة الصواريخ الروسية المضادة للطيران من طراز S400، قد وضعت عضوية انقرة في الحلف امام معضلة جديدة، وبخاصة ان دولا عديدة في الحلف بدأت تتحدث عن إمكانية خروج تركيا من الاطلسي، في ضوء احتمالات تبلور حلف ثلاثي يجمع انقرة بكل من موسكو وطهران.
تحضر في الاثناء.. المعارَضة الحاسمة التي تُبديها باريس (بما هي العاصمة التي تُشارك برلين قيادة القاطرة الاوروبية) والتي تبلورت في عهد ساركوزي الذي كان قال: إن تركيا احدى دول آسيا الوسطى وليست دولة اوروبية، فيما خطت برلين خطوة واسعة في هذا الاتجاه، كذلك لا تتردد اليونان لأسباب «تاريخية» في رفضها القاطع لانضمام تركيا تُشاركها الرفض.. قبرص، التي ما تزال جحافل الجيش التركي تقيم في قسمها الشرقي منذ أربعة عقود (غزتها في العام 1974).
الرئيس التركي بقوله: لم نعد نحتاج الاتحاد الأوروبي، يُبدي تردّداً واضحاً عندما «يشترط» على الاتحاد «منح تركيا عضويته، اذا ما اراد القفز الى الأمام والبدء بعملية من النمو الثقافي والاقتصادي». إذ يعلم في قرارة نفسه، ان تركيا ستكون الخاسرة تجارياً وسياحياً وعلى مستوى الإستثمار، وخصوصاً في «ورقة»طالبي اللجوء الى اوروبا، التي حاول ابتزاز بروكسل عبرها لكن دون نجاح.. يُذكَر.
الراي 2017-10-04