عن المعركة التالية حول السلاح في غزة
لسنا في حاجة لتصريحات من هذا النوع، كي ندرك أن معركة السلاح في غزة لا تعدو أن تكون مؤجلة، لكننا نتوقف عندها خشية أن يكون بمثابة وضع للعصي في دواليب المصالحة قبل الأوان، في ظل أجواء التفاؤل الراهنة.
صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية نقلت (الأحد) عن مسؤول في السلطة الفلسطينية لم تسمّه القول إن الرئيس عباس «لن يوافق على تطبيق نموذج حزب الله في لبنان في أراضي السلطة الفلسطينية»، مضيفا أنه «إذا لم يكن هناك سلطة موحّدة وتُدار من قبل مؤسسات خاضعة لسلطة القانون، كما في كل دولة طبيعية، فإنه لا يمكن الحديث عن المصالحة الوطنية والحقيقية».
لكن الرئيس الفلسطيني لم يترك الأمر رهنا للتوقعات، ففي حديث لفضائية مصرية مساء الاثنين، قال بالنص ردا على سؤال بتعلق بالسلاح: «لو أن شخصا من فتح في الضفة حمل سلاحا غير السلاح الشرعي، أنا أعتقله، وهذا ما سأعمل عليه في غزة. يجب أن يكون هناك سلاح شرعي واحد».
طوال الوقت، ومنذ 2007، كانت معزوفة المصالحة؛ على تنوع التعبيرات عنها، تفضي إلى ذات النتيجة، ممثلة في نقل نموذج الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث لا فصائل تحمل السلاح (غير «السلاح الشرعي» بيد قوات الأمن).
وإذا كانت المقاومة المسلحة مجرَّمة في الضفة الغربية حيث يتواجد جنود الاحتلال، ويدخلون ويخرجون ويداهمون ويعتقلون وقتما يشاؤون (لم يتردد الناطق باسم الرئاسة في إدانة عملية القدس الأخيرة رغم أنها ضد عسكريين)، فالموقف سيكون أكثر وضوحا في قطاع غزة، حيث لا وجود لقوات الاحتلال، ما يعني أن منطق رفض سلاح المقاومة بيد الفصائل سيكون أكثر حسما، إذاً ما الحاجة إليه ما دامت السلطة لا تريد المقاومة المسلحة وتراها نوعا من العبث؟! وهذا ما عبّر عنه المسؤول صاحب التسريب بالحديث عن نموذج حزب الله في لبنان الذي لا يقع تحت الاحتلال، وبات السلاح منذ نهاية حرب تموز 2006، يُستخدم لفرض الوقائع السياسية في الداخل لا أكثر.
الخلاصة أن السلطة ترى أن سلاح المقاومة في قطاع غزة لا يختلف عن سلاح حزب الله في لبنان، متجاهلة بالطبع أن الجزء الأكبر من مناطقها لا وجود فيه لسلاح مقاومة، وأن القطاع لا يعدو أن يمثل 6 في المئة من الأراضي المحتلة عام 67، وإن كانت نسبته من المساحة التي تتواجد فيها السلطة (إداريا) قد ترتفع لتبلغ الضعف تقريبا، باعتبار أن مناطق (ج) حسب تصنيفات أوسلو، والتي سرقها الجدار الأمني تمثل حوالي 60 في المئة من الضفة الغربية.
إذا تم الإصرار على هذا الأمر، فهذا يعني أن السلطة لن تقف في مواجهة «حماس» فقط، بل أيضا في مواجهة الجهاد، وفصائل أخرى كثيرة تحمل السلاح في قطاع غزة، وفي مواجهة الشارع أيضا، والذي لا يرى أن الحرب مع الاحتلال قد وضعت أوزارها، ولم يعد ثمة حاجة للسلاح.
هنا ينهض كلام المسؤول الفلسطيني عن «الدولة الطبيعية» التي لا وجود فيها إلا لسلاح الدولة، أو «الشرعية» بحسب التعبير الذي يؤثره قادة السلطة، ولا يعرف هنا عن أي دولة طبيعية يتحدث، وهل السلطة التي يسيطرون عليها تمثل دولة، وحتى لو اقتربت من ذلك، هل يعني نسخ ما تبقى من الأرض (60 في المئة من الضفة، إذا تجاهلنا المحتل عام 48)، وهل يعني ذلك غير قبول الحل المؤقت الذي يرهقون أسماعنا برفضه صباح مساء؟!!
الخلاصة التي نرددها هنا دائما، وسنبقى نرددها هي أن جعل المصالحة محطة لتكريس سلطة في ظل الاحتلال بعناوين دولة، ، ليست سوى تكريس للتيه، حتى لو حُلّت بعض مشاكل أهل القطاع، لأن العيش مقابل تضييع للقضية يمثل وصفة كارثية رفضها الشعب الفلسطيني طوال عقود، ولن يقبلها الآن.
الدستور 2017-10-04