سؤالان برسم الإجابة..؟!
ثمة نوع من العنصرية تدفع البعض الى الاحساس بتورم الذات، والمبالغة بالاعتزاز في النفس، واعتماد منطق افحام الخصم بصدمة عدم قبوله كطرف للحوار او التفاهم، وهي – بالمناسبة- ليست فكرة طارئة على واقعنا الاجتماعي، وانما لها جذور في موروثنا الثقافي كما عبرت عنه ادبيات وفنون النقائض وكما سوّقته حروب ووقائع طويلة قامت لتجيب عن سؤالين فقط وهما: من نحن ومن انتم؟
هذان السؤالان ظلا يطاردان الإنسان العربي منذ قرون طويلة، وفي كل مرة يحاول الإجابة عنهما، يكتشف أن الإجابة كانت خاطئة، أو غير مكتملة على الأقل، تحت: من نحن؟ تناسلت اسئلة كثيرة: سؤال الهوية، وسؤال الهدف والمصير، وسؤال الحرية والكرامة.. وسؤال الدين والوطنية، أما الإجابات فما زالت مخاضاتها مستمرة في كل انحاء وطننا العربي، خذ مثلاً ما يحدث في مصر حيث ما تزال الاشتباكات حاضرة بين الإسلامي والعلماني، بين الانتماء للجماعة الوطنية أو الجماعة الوطنية، بين المسلم والقبطي، بين الديني والمدني، بين الديمقراطي وغير الديمقراطي.. وهكذا، هذه - بالطبع - مسألة طبيعية ما دمنا نتحدث عن مرحلة اكتشاف الذات أو التعرف عليها، وسنحتاج لسنوات - ربما تطول - حتى نحسم الإجابات عليها.. تماما كما نحتاج لسنوات لنحسم إجابات اسئلة اخرى معلقة، مثل سؤال الدين والعلم والتحضر والمرأة والديمقراطية..الخ.
اما سؤال من هم فقد انطلق من ذات الأرضية والمكان، لكنه توجه نحو كل من كان يشكل علامة “استفهام” بالنسبة للشعوب، توجه نحو النخب الحاكمة والنخب الحارسة، نحو المؤسسات الوطنية وهياكلها، والأهم نحو “الآخر” الأجنبي، كان - بالطبع - سؤالاً مزلزلاً: ومليئاً بهواجس البحث عن تركة الماضي الثقيل والحاضر القائم والمستقبل الذي لم يعد غامضاً.. من أنتم أيها النخب، ومن انتم ايها القائمون على شأننا، ومن انتم ايها “الممسكون” بقرارنا وحياتنا.. ومن انتم ايها الخارجون من بلادنا والعائدون اليها بلا استئذان؟
الذين رددوا هذين السؤالين كان أغلبهم من جيل “الشباب” هؤلاء الذين فتحوا أعينهم على “الآباء” المهزومين، والبلاد المنهوبة، والحرية الغائبة التي “تلمع” في ما وراء البحار، وهؤلاء الذين لم يكن امامهم سوى الانتساب لحزبي “الطرب” أو “اللعب” أو الجلوس خلف شاشات “الانترنت” للبحث عن التسلية والترفيه أو الهروب من الواقع البائس الى العالم الافتراضي الجميل، هؤلاء الشباب - هم - من فجّروا سؤاليّ: من نحن؟ ومن أنتم؟، وحين عجزوا عن انتزاع الإجابة عنهما من أفواه “اصحاب” السلطة الأبوية لم يكن أمامهم من طريق سوى كسر عصا الطاعة، والخروج الى الشارع والبحث عن أمل جديد.
سؤال: من انتم؟ يعبر عن واقع طبيعي وعياني ومفهوم ايضا، وهو لا يقتصر على من يتربع على مواقع السلطة اية سلطة وانما يمتد الى المهاد الاجتماعي والثقافي وكـأنه عدوى تنتقل من اليمين الى اليسار او العكس، ومن السياسة الى الثقافة او العكس ايضا.
اسوأ ما يمكن ان يصيب المجتمعات هو ان تتغلغل داخلها صرخة من انتم؟ ليس لانها تضمر قسوة في التصنيف واستهانة بالآخر واستعلاء في التعامل معه، وتختزل نزعة تمجيدية لا ترى من خلالها الذات الا نفسها، وانما –ايضا- لانها افضل وصفة لاغراق المجتمع في الفردانية والانتهازية، ودفعه الى الانقسام والصدام، وشحنه بالثنائيات القاتلة، وتجريده من قيم التكافل والتضامن والاخوة والعدالة. ما اروع الخطاب القرآني الذي اختصر الاجابة عن هذا السؤال بقوله: وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم، وما اعظم الرسول صلى الله عليه وسلم حين نهض واقفا لجنازة مرّت امامه، وحين اخبره احدهم بأنها ليهودي ردّ عليه: أليست نفسا
الدستور 2017-10-06