المصالحة رافعة للمقاومة الشعبية
يحق لنا بعد هذه السنين من حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، أن نتابع التطورات الأخيرة، بعد دخول فعلي للحكومة إلى غزة، بحذر شديد، فمثل هذا المشهد رأيناه أكثر من مرّة في السنوات العشر الأخيرة؛ وعلى أمل أن يكون ما بدأ في الأيام الأخيرة، هو طريق اللاعودة إلى الوراء. والأمل الأكبر، أن تكون حالة الانفراج الفلسطينية رافعة لاستنهاض المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، ضد الاحتلال؛ دون التعلق بأوهام البيت الأبيض، الواقع تحت سطوة اليمين الصهيوني الاستيطاني، بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
قد نحتاج إلى وقت لفهم طبيعة التقلبات المتسارعة في التحركات على مستوى قطاع غزة، من النقيض إلى النقيض، حتى وصلنا إلى ما نشهده حاليا. ولكن المتوخى أن تكون بوصلة هذا الحراك، هي المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا، القائمة على الثوابت الوطنية التي توحد الشعب الفلسطيني، دون سواها، لأنها الطريق لوحدة الشعب الفلسطيني، ليستنهض قواه في مقاومة شعبية جماهيرية واسعة ضد الاحتلال، الذي شعر في السنوات الأخيرة، أنه في "بحبوحة" زائدة على خلفية وضع الحالة الفلسطينية المترهلة.
تأتي هذه التحركات الفلسطينية في ظل تقارير إسرائيلية تدّعي وجود تحولات في الإدارة الأميركية. ويزعم الوزير المتطرف زئيف إلكين، أن إدارة دونالد ترامب، تواصل نهج إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. ونحن نعلم أن تلك الإدارة بدأت بإطلاق نوايا سرعان ما جمدتها، كأقل تعبير، ولم تعمل بموجبها على مدى السنوات الثماني. ما يعني أن قادة حكومة الاحتلال يقلقون من مجرد اطلاق نوايا، رغم أن الممارسة الأميركية على الأرض، هي دعم صامت للاستيطان، الذي لم يتوقف في أي لحظة، وفي ظل كل الإدارات الأميركية.
لا يمكننا أن نشتري البضاعة الصهيونية و"الولولة" الزائدة، التي نسمعها من حكومة الاحتلال وعصابات المستوطنين؛ فهذه حكومة "أرض إسرائيل الكاملة"، وقد يقض مضجعها إذا سمعت من أي مستشار أميركي أو مسؤول، ما يقضم ولو بقليل، من حلم "إسرائيل الكبرى". وما يعزز هذا، هو أننا نعرف تماما طبيعة الطاقم الأميركي الفاعل على مستوى القضية الفلسطينية، بدءا من جارد كوشنير، مرورا بجيسون غرينبلات، وحتى السفير الأشد تطرفا، الجالس في تل أبيب، ديفيد فريدمان.
فحتى قبل أيام، صرّح فريدمان "بعدم واقعية حل الدولتين"، ما يعني ضمنا رفضه اقامة دولة فلسطينية. وهذا تصريح ثان في غضون شهرين، ولاقى تحفظا أميركيا محدودا. واكتفاء واشنطن بالإعراب عن تحفظ مرتين في غضون فترة قصيرة، من تصريحات موظف لديها، دون اتخاذ اجراء فعلي ضده، يقول كل شيء، عن جدية ذلك التحفظ.
لا يمكن قلب المعادلات، وفرقعة أوهام الصهاينة في فلسطين ووراء المحيط، إلا بقلب الحالة الفلسطينية البائسة، التي انهكت الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. والطريق الوحيدة لهذا، العودة إلى المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، التي ما كان بالإمكان استنهاضها في ظل حالة الصراع الفلسطيني الداخلي.
ومن المقلق جدا، أنه حتى مشاهد المقاومة الموضعية، مثل المسيرات الأسبوعية، في بلعين ونعلين، وعدد من القرى في وسط الضفة وجنوبها، قد تراجعت كثيرا في الأشهر الأخيرة؛ وتراجع زخمها، بعد أن بقيت لسنوات أنموذجا يحتذى. وكانت أيضا مصدر "وجع رأس" للاحتلال، خاصة أنها لاقت صدى عند قوى تحرر في العالم. وقد يكون لهذا التراجع أسباب عديدة، ولكن ما من شك، أن استمرار حالة الصراع الداخلي، لعبت هي أيضا دورا في بث أجواء الاحباط.
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، لتحديد مستقبل الحالة الفلسطينية الداخلية، فإن تم اجتياز المحنة الخانقة، فإن هذا من شأنه أن يقلب المشهد السوداوي، الذي يثقل علينا كشعب، ويحد من رؤيتنا للمستقبل، على المدى الأبعد.
الغد 2017-10-07