عن اتفاق المصالحة من جديد
ليس بوسع أي مخلص للقضية إلا أن يستبشر باتفاق المصالحة الذي تم التوقيع عليه في القاهرة (الخميس) بين حركتي فتح وحماس، بصرف النظر عن الدوافع التي أدت إلى قبول الطرفين بالاتفاق، أو الدوافع التي وقفت خلف رعايته والإصرار عليه.
لعل الملمح الأساس الذي يمكن الحديث عنه في الاتفاق يتمثل في عودة الوصاية المصرية على الملف الفلسطيني، الأمر الذي لم يكن مريحا للسلطة في رام الله التي راهنت على آخرين، من بينهم الإدارة الأمريكية الجديدة، من دون أن يعني ذلك أن حماس في وضع مريح، لكن السياسة لا تحكمها الأماني، بل الظروف الموضوعية وموازين القوى.
ما أخذته السلطة في رام الله من الاتفاق هو عودة الولاية على قطاع غزة، وما أخذته حماس هو التخلص من عبء السلطة، من دون المسّ بالسلاح، مع العلم أن معضلة سلاح المقاومة لا تعني حماس وحدها، بل الجهاد وفصائل أخرى أيضا.
هذا الاحتفال بالمصالحة لا يجب أن ينسينا أن كثيرين أدمنوا خلال السنوات السبع الماضية على تحميل الانقسام كل أوزار الواقع الفلسطيني؛ إن كانوا من الفلسطينيين، أم من العرب الذين يستخدمون المعزوفة للتنصل من مسؤولياتهم حيال القضية، أو من أولئك الذين يحلو لهم أن يتقربوا إلى العدو الصهيوني زلفى؛ بالتطبيع وبأشياء خرى.
والحال أن مواقف الكيان الصهيوني لا صلة لها البتة بالانقسام الفلسطيني كما يفهمه أولئك، لأن ما يعنونه ليس الانقسام على برنامج المواجهة مع العدو؛ بين من يرى التفاوض وتكريس سلطة تحت عباءة الاحتلال، وبين من يرى أن الحل هو ذلك الذي اختطته كل الشعوب الحرة في التجارب المشابهة، أي المقاومة وجعل الاحتلال مكلفا حتى يرحل.
ما يعنونه هو الانقسام المتعلق بالسلطة واستحقاقاتها، وهم يعلمون أنها سلطة صُممت لخدمة الاحتلال، وليس لخدمة برنامج التحرر منه، بدليل أن من قام على إنشائها، أعني ياسر عرفات رحمه الله، قد أدرك هذه الحقيقة، وحين حاول التمرد على استحقاقات تلك السلطة، تم اغتياله بالطريقة المعروفة.
أما السلام، فنذكّر أولئك جميعا، ولا أظنهم ينسون، أن عرفات فاوض الصهاينة زمنا طويلا دون انقسام، ولم يحصل على نتيجة، وعرض العرب مبادرتهم الشهيرة عام 2002 على الصهاينة، وتبنتها عليها القيادة الفلسطينية، ولم يكن هناك انقسام وفق مفهوهم، وفاوضت السلطة أولمرت وليفني ثلاث سنوات، وقدمت لهما عروضا مغرية كشفتها وثائق التفاوض، وبلا نتيجة أيضا، ولم يكن هناك انقسام أيضا.
اليوم نحن أمام معادلة جديدة، نتمنى أن تجد صداها في الواقع الفلسطيني، ففي حين أدى الانقسام إلى إيجاد قاعدة للمقاومة في قطاع غزة، فقد أدت السياسات المتبعة في الضفة إلى مزيد من الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية، مع مطاردة للمقاومة، من دون أن يكون هناك ثمن مقابل من الاحتلال.
وفي حين قد نذهب بعيدا في التفاؤل إذا قلنا إن على الاتفاق الجديد أن يكون محطة باتجاه بناء استراتيجية جديدة تقاوم غطرسة الاحتلال بكل وسيلة ممكنة، وتحوّل السلطة إلى كيان إداري يُدار بالتوافق، مع إعادة تشكيل منظمة التحرير لتمثل مرجعا سياسيا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فإن أضعف الإيمان يدفعنا لتمني أن يكون محطة في تجاه التصدي لأي محاولات أمريكية لحرف القضية نحو مسارات تضيعها، عبر الحديث عن “حل إقليمي” يكرّس الوضع الراهن مع تحسينات طفيفة، بينما يطلق عملية سياسية بلا أفق، مع تطبيع عربي مع الكيان الصهيوني.
ويبقى التعويل الأكبر على الشارع الفلسطيني الذي يمكن أن يأخذ القرار بنفسه، ويصعّد انتفاضته في مواجهة الاحتلال، ليفرض على السلطة والفصائل تغيير المسار نحو برنامج مكلف للاحتلال، وقادر على فرض التراجع عليه.
الدستور 2017-10-14