هل تنجح استراتيجية ترامب ضد إيران ؟
أسهب الرئيس الأمريكي بخطابه الأخير في الحديث عن خطر إيران والإتفاق النووي ونشرها الإرهاب وعن حرسها الثوري الذي يزرع المنطقة جثثا ودماء من خلال ميليشياته المنتشرة في أكثر من مكان .
ترامب الذي يغرد وحيدا خارج سرب كثير من الديمقراطيين والجمهوريين والأوروبيين بالإضافة إلى الروس والصينيين لا يعبأ بكل هؤلاء ،ويتوعد بأنه سيتخذ قرارات منفردة إن لم يستجب له الكونجرس بخصوص الإتفاق الذي رفض الرئيس المصادقة عليه ، حيث أعلن سياسته الجديدة ضد إيران المتمثلة بالحد من نفوذها الإقليمي ودعمها للإرهاب ووقف برنامجها الصاروخي وضمان عدم حصولها على أسلحة نووية وتحجيم دور حرسها الثوري .
وما من شك ، بأن الإدارة الأمريكية السابقة فعلت كل شيء في سبيل إتمام الصفقة النووية ، بما في ذلك نقل أموال " كاش " وبطائرة أمريكية إلى طهران ، في أكبر خنوع ذميم يرتكبه رئيس أمريكي في التاريخ المعاصر ، بالإضافة إلى مبدأ رفع العقوبات، بل إن التسريبات اللاحقة التي نشرتها كبريات الصحف الأمريكية - بعد إتمام الصفقة - كشفت عن اتفاق ضمني بين أوباما وخامنئي يبيع الأول بموجبه حلفاءه التقليديين للثاني ، من خلال السماح بإطلاق يد طهران في المنطقة ليجيء خطاب ترامب الأخير محاولة بائسة لنسف كل ذلك ، ليس لمصلحة العرب ، بل لمصلحة الحليف الأوحد إسرائيل ، ولكن بعد خراب مالطا .
الذين يقرأون هذا الملف بعين الرقيب يدركون بأن ترامب سيقدم على بعض الخطوات العدائية ، وقد فعل ذلك عمليا عندما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية قبل يومين الحرس الثوري كمنظمة إرهابية ، وهو أمر يعني بأن خطوات مالية سيتم تنفيذها وسينجح في هذه فقط ، لأن الذي يقرأ خارطة الأزمة يدرك بأن الرئيس الأمريكي حالم أكثر مما يجب ، وقد جاءته الصفعة الأولى من حلفاء إيران ومريديها من أوروبيين وروس ، بينما تلقى صفعة أخرى من تقرير وكالة الطاقة النووية التي أعلنت التزام إيران وتعاونها ، وبرغم ذلك ظل يهذي بتهديدات باتت مملة ورأينا أشباهها وأكثر حدة منها في مشاحناته مع كوريا الشمالية عندما هدد بمحوها من الخارطة فهددته بالمثل .
ليس بإمكان ترامب العزف إلا منفردا ، وسيكون لحنا غير عسكري بالطبع ، وهذا أمر استمرأته الأذن الإيرانية ، وبمقدور طهران مقارعته سواء بما ترسخ لها من نفوذ في المنطقة ، أو بما تحصلت عليه من تأييد لموقفها : وبخصوص الأولى ، فإن الإيرانيين يحسنون اللعب بالأوراق المفتوحة والمغلقة ، ومن بينها الآن ورقة كردستان ، ولقد رأينا الحشد الشعبي وبعشرات الآلاف يحيط بالإقليم ، وهو ضغط مهم ضد حليف أهم ، كما وإن النفوذ الإيراني في العراق عموما كفيل بنسف جميع برامج واشنطن في هذا البلد ، تماما كما هو الأمر في سوريا عن طريق الميليشيات وحزب الله ، واليمن ( باب المندب ) .. أما الثانية فلقد رأينا كيف أن العالم الأول وقف ضد ترامب ومشروعه العبثي .
قلنا سابقا ونعيد القول : إن إيران دولة أوهن من بيت العنكبوت ، فقط : ليتخل الروس عنها والأوروبيون بل والأمريكيون الذين مكنوها منذ عقود ، وعندها سنرى هشاشة عظامها وضآلة وزنها وقصر قامتها، ولقد رأينا ذلك قبل التدخل الروسي في سوريا ، أما ترامب فهو وحيد وسيظل وحيدا ، ولا يجب أن ننسى بأن مصالح الولايات المتحدة العليا تديرها مؤسسات دولة عميقة داخلها ، وبرغم كل ذلك ، فإن من حق العرب أن "يحلموا" بالإنتصار على الملالي المشعوذين ،وتحجيمهم وكف شرورهم ، وبتخيل ترامب قادما بالبخور والحبور ،وبأنه حامل مسك ، ولكنهم في الصباح سيكتشفون بأن حامل المسك هذا ليس سوى نافخ كير !.
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز 2017-10-15