حالة السجون وحالة القانون
من الواضح اننا ما نزال في مرحلة مخاض غامضة وأخذ ورد بحثا عن نموذج افضل لفرض دور القانون في الحياة العامة بين الدعوة الى الصرامة في نفاذ القانون على الجميع، وان يعمل القانون من اجل الجميع بعيدا عن الانتقائية والاسترخاء والتردد، وبين التشدد في استخدام السلطة التي قد تتجاوز القانون وتضر بحقوق الانسان وكرامة الافراد، وهذا ما يدفعنا لمراجعة تصريحات مدير الامن العام الاسبوع الماضي عن حالة السجون في المملكة مقابل ما جاء به تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان للعام 2016 والذي ابرز ظاهرة تنامي حالات التوقيف الاداري التي قد تتجاوز القانون في الكثير من الحالات.
على الرغم من ان السجون الأردنية في العقود الاخيرة تتمتع بسمعة جيدة مقارنة مع سجون الدول المجاورة الا ان الفترة الاخيرة شهدت تجاوزت عديدة باتت تهدد هذه السمعة، وآخرها ما حدث في سجن السواقة ومحاكمة 13 شرطيا وجهت لهم لائحة اتهام مؤخرا، الى جانب تجاوزات في الافراط باستخدام القوة كما في حادثة الاستاذ الجامعي، فيما يكشف هذا الواقع حالة تذمر بدأت تظهر علنا لدى القادة الأمنيين من زيادة أعداد نزلاء السجون التي تجاوزت المعدلات الطبيعية، وحسب مدير الامن العام اللواء احمد الفقيه فقد تجاوز نزلاء السجون 115 % من الطاقة الاستيعابية المفترضة؛ فهناك اكثر من 14 الف سجين في 17 مركز اصلاح وتأهيل (سجن) من المفترض ان طاقتها الاستيعابية 12 الف سجين، في الوقت الذي تتحدث الارقام الرسمية ان السجين يكلف الخزينة 750 دينارا شهريا، وبحسبة بسيطة فان السجون واذا ما اضيف اليها مراكز التوقيف تكلف الخزينة العامة اكثر من 200 مليون دينار وهو رقم كبير جدا على اقتصاد صغير، فيما لا تتلقى 10 جامعات حكومية سوى نحو 70 مليون دينار سنويا.
في المقابل جاء في التقرير الوطني لحقوق الانسان للعام 2016 الذي أعلنه المركز الوطني لحقوق الانسان الاسبوع الماضي ان الاردن شهد ارتفاعا بأعداد الموقوفين الإداريين ليصل إلى (30138) شخصاً، "بموجب قرارات تُنعَت بعدم الالتزام بالأصول القانونيّة للتّوقيف الإداريّ، بما في ذلك قرارات التوقيف بحق النساء تحت مُسمى -قضايا الشّرف- بهدف حماية حقهن في الحياة. وعلى الرغم من ان الخطاب الرسمي يردد ان التوقيف الاداري في تراجع الا ان الوقائع تذهب عكس ذلك، وخلال اقل من ثلاثة اعوام تضاعفت ارقام الموقوفين، في حين لا تتوقف تقارير المركز الوطني لحقوق الانسان منذ سنوات عن تقديم ملاحظات جوهرية حول اوضاع مراكز التوقيف المؤقت وافتقادها لابسط معايير حقوق الانسان احيانا.
يبدو احيانا ان بعض القادة الأمنيين لديهم منظور اصلاحي اكثر عمقا مما تطرحه وتمارسه نخب سياسية في سلطات اخرى، فقد دعا مدير الامن العام الى "تطبيق العقوبات البديلة، بما فيها السوار الإلكتروني بديلا عن تطبيق عقوبة الحبس في بعض القضايا، وذلك للتخفيف من عبء مشكلة الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل". وهذا منظور اصلاحي باتت تستخدمه العديد من الدول من خلال استراتيجيات تتبع قيام الاشخاص المحكومين في بعض القضايا بتقديم خدمة عامة للمجتمع بدل المدة التي يفترض ان يقضيها في السجن مع توفير اجراءات صارمة تضمن تنفيذها.
ثمة حالة غامضة في المشهد، لدينا شكوى مستمرة من ظاهرة الافلات من العقاب، مقابل ازدحام السجون فوق طاقتها الاستيعابية، لدينا ظاهرة تنامي العنف داخل السجون، مقابل ظاهرة الافراط في استخدام القوة احيانا، لدينا تصاعد كبير في اعداد الموقوفين الاداريين مقابل خطاب سياسي عن استعادة دور القانون.
الغد 2017-10-21