سرقوا محمود درويش
عرفنا محمود درويش، الذي أعاد للعربية ألقها بشعْره الساحر فعلاً، بعد هزيمة حزيران (يونيو عام 1967) التي أدمتْ قلبهُ وقلوبنا ولا تزال والفضل في هذا للشاعر الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب، الذي اوصله الينا ونحن في دمشق نتغنى بأمجاد «البعث» التي تبخرت مبكراً فكان هذا الذي نراه الان في سوريا الحبيبة العظيمة،.. يُّما إمْويل الهوى.. يُّما إمويليّا.. ضرب الخناجر ولا حكم الرَّدى بيَّا.. خسرْت حلماً جميلاً.. خسرت لَسْعَ الزنابق.. وكان ليلي طويلاً.. على سياج الحدائق.
أكثر فترة قضيناها مع محمود درويش كانت خلال حصار بيروت عام 1982 وكان يسكن في شقة في عمارة تغرس أقدامها في شواطئ الرملة البيضاء بالقرب من مقهى الغلاييني الشهير وهكذا فقد كان هذا المبدع الكبير، الذي فطرت قلبه هزيمة حزيران الى ان توقف نهائياً هناك بعيداً في الولايات المتحدة، يواجه السفن الحربية الاسرائيلية التي كانت تواصل عضَّ بيروت بشظايا قذائف مدافعها وبأنياب صواريخها ليلاً ونهاراً وعلى مدى ثلاثة شهور وأكثر وكان محمود الذي فقدناه وفقده شعبه وفقدته أمته مبكراً يختار قضاء لحظات استراحته من زمجرات الوحوش الاسطورية الاسرائيلية في شقة الشاعر المصري عبدالرحمن الخميسي الأرضية، وحيث كان يتفنن في «نرفزته» واستفزازه بسرد ذكريات قديمة عنه يزيدها ملحاً وبهارات تشويقية.
كنا اتفقنا على الا نتركه لوحده يواجه الوحوش الاسرائيلية المكشرة عن انيابها وتنفث لهباً محرقاً على بيروت الجميلة وكان في مقدمة الذين يواصلون التردد عليه الصديق غانم زريقات، الذي لا أعرف لماذا أحال نفسه على التقاعد مبكراً وفيصل الحوراني وناجي العلي واحمد عبدالرحمن ونبيل عمرو ورشاد ابو شاور وطاهر العدوان وزياد عبدالفتاح وأنا العبد الفقير لله وبعض الرفاق السوريين الذين كانوا غادروا جنتهم الموهومة التي كان الشاعر الكبير يوسف الخطيب، الذي تحطم قلبه مبكراً يقول: آمنتُ بالشام روح البعث تسكنها.. ما جُلِقٌ هذه بل كعبة العرب»!!.
كان الترف النضالي قد دفعنا لإصدار جريدة او نشرة يومية باسم «المعركة» وكان محمود درويش يواظبُ على حضور اجتماعات هيئة تحريرها وهنا بما ان الشيء بالشيء يذكر فانه عليَّ ان اذكر ان جميع الصحف البيروتية قد توقفت بعدما تطاول الحصار، حتى صحيفة «النهار» التي لا تزال تعتبر شيخة الصحافة العربية، الا صحيفة «السفير» التي بقيت تصدر بتشجيع ومساندة «ابو عمار» رحمه الله والتي لم يبق من محرريها الا الاستاذ الكبير محمد مشموشي وأنا وبالطبع الفنان العظيم ناجي العلي.
لقد تواردت كل هذه الذكريات الى ذهني عندما قرأت امس «السبت» ان لصوصاً قد سطوا على منزل محمود درويش في قرية الجديدة الفلسطينية وانهم سرقوا حقيبة راحِلنا الكبير الخاصة وبكل ما فيها من اوراق ومخطوطات وهذا بالاضافة الى بعض المقتنيات الشخصية وبعض الهدايا الثمينة التي كان تلقاها من زعماء ومن شخصيات عالمية وكل هذا بالاضافة الى خريطة لفلسطين واقلام حبر كان استخدمها في تدوين ابداعاته، وايضا ربما صورة لقريته «البروة» التي تقع على الطريق بين عكا والناصرة.. التي محاها المحتلون مع ما محوه من معالم فلسطين الجميلة.
الراي 2017-10-22