مع تحرير سعر الرغيف!
بصراحة، نشعر أن الحكومة بحاجة لأن «تقوي قلبها» وتعيد النظر في مسألة دعم سعر الرغيف، وتتخذ خطوة عملية جريئة بهذا الاتجاه، فهي منذ سنوات تقدم رجلا وتؤخر أخرى في هذه المسألة، وشبح «اضطرابات الخبز» أيام حكومة عبد الكريم الكباريتي يسيطر على المشهد، وبصراحة أيضا فهي محقة أيضا في الخوف من الإقدام على هذه الخطوة، كونها تمس سلعة شعبية ربما تشكل لقسم من المواطنين «وجبة» رئيسة يومية، فلم يزل بعض سكان البوادي والقرى والمخيمات، من رقيقي الحال، يعتمدون على الخبز والشاي، باعتبارهما الوجبة المعتمدة للفطور وربما للعشاء، والمس بالرغيف ليس سهلا ابدا، على أي نحو تم!
ومع هذا، لدينا عدة ملاحظات لا بد من أن نسوقها هنا، إضاءة للمشهد، وبمنتهى الصراحة، حتى ولو كانت جارحة!
أولا: شكل سعر الرغيف المنخفض نسبيا (16 قرشا للكيلو) حافزا قويا لدى المواطن لعدم تقدير هذه السلعة، واستهلاكها بشكل جائر، والاستهانة بقيمتها، فلا يكاد يمر يوم دون أن نرى ربطات الخبز الجاف أو المعفن، معلقة على حواف الحاويات، أو ملقاة على أبواب المنازل، بانتظار من يجمعها لتحويلها إلى علف للمواشي(!) أو بيعها لأغراض أخرى، لا نعلمها، ما يؤكد أن حجم مشتريات الأسرة الأردنية من الخبز يزيد عن الحاجة، بسبب رخص سعره، وهذا أمر غير مقبول ويحتاج إلى تنظيم!
ثانيا: نلاحظ أن حجم انتاج المخابز من الخبز المدعوم في أدنى مستوياته، لدى كثير من هذه المخابز، حيث يعمد هؤلاء إلى التركيز على الخبز المحسن (والحلويات طبعا!) الذي يباع بأسعار مضاعفة، تزيد كثيرا عن الـ (16) قرشا، ونلاحظ ايضا أن المستهلك العادي لا يجد حرجا في أن يدفع ثمن كيلو خبز محسن ثلاثين أو حتى خمسين قرشا، دون أن يرف له جفن، ما يعني أن مستوى الحياة العام في البلد لا يمكن أن يتأثر كثيرا، وفي العموم، فيما لو تم تعويم سعر الرغيف، فيباع بنفس كلفته الحقيقية، وبلا اي دعم، ونستثني هنا فئة معينة من المواطنين، يجب أن يؤخذوا بعين الاعتبار لدى أي خطوة من هذا القبيل، وهم من منعدمي الدخل لا من متوسطيه أو محدوديه، وهؤلاء يمكن حصرهم عبر قوائم الأسر التي تعتاش على مخصصات صندوق المعونة الوطنية، حيث يمكن توجيه دعم الخبز لهم عبر صرفه مع مخصصاته الشهرية..
ثالثا: حسب إحصاء السكان الذي جرى العام الماضي يتبين إن 95 في المائة من غير الأردنيين الموجودين على أرض المملكة هم من العرب، حيث بلغ عدد هؤلاء حوالي 2.918125، منهم 1.26 مليون سوري، ونحو 634.182 ألف فلسطيني، وحوالي 636.27 الف مصري، وحوالي 130.911 ألف عراقي، وحوالي 31.163 ألف يمني، ونحو 22.7 ألف ليبي.
والحقيقة أن الحكومة غير مكلفة بتوفير دعم رغيف خبز لغير الأردنيين، وليعذرنا أخوتنا هنا غير الأردنيين من أبناء العروبة، فثمة معاملة خاصة للعربي أو الذين يسمونه في بلاد أخرى «الأجنبي» أو «المقيم» وهو محروم بالطبع من كل امتيازات «المواطن» والأردن ليس استثناء من هذا، ولكن لا بد من من ملاحظة هنا تخص الـ 634.182 ألف فلسطيني تحديدا، فهؤلاء لهم وضع خاص يختلف عن السوري اللاجىء الذي تهتم به الدولة ومنظمات دولية وإغاثية عدة، والليبي واليمني الثري الذي جاء للعلاج أو هربا من الحرب، والمصري الذي جاء للعمل، والعراقي الذي جاء مستثمرا على الأغلب، أو طلبا للأمن، وهؤلاء من فئة الناس التي لا تنظر لسعر رغيف الخبز سواء كان بستة عشر قرشا أو بنصف دينار، أما الـ 634.182 الف فلسطيني فلهم شأن آخر، فهؤلاء في غالبهم أردنيو المولد والانتماء، ولم يأتوا لا للعلاج ولا للسياحة ولا للعمل، وكثير منهم سحبت منهم جنسياتهم في ظروف معينة، وحرموا من الرقم الوطني، مع ما ترتب على هذا الأمر من تكاليف معيشية زائدة، وصعوبة حياة، وليس من العدل ولا من المنطق أن يعاملوا معاملة الوافد، فهم لهم وضع خاص، سواء كانوا من ابناء غزة، أو ممن سحبت ارقامهم الوطنية، ولهذا، ففي أي خطة لتحرير سعر الرغيف، يتعين أن يعاملوا معاملة حامل الرقم الوطني!
الدستور 2017-10-25