"وادي عربة" وذكرى سلام موهوم
23 عاما بالتمام والكمال تمر اليوم على توقيع اتفاقية "وادي عربة" للسلام بين الأردن واسرائيل؛ ربع قرن من الزمان تقريبا لم يتحقق فيها سلام ولا وئام مع هذا العدو التاريخي الرابض على قلب المصالح والوجود الأردني والعربي، بل يبدو اليوم أكثر استشراسا ونهما لابتلاع المزيد من الحقوق والمصالح الاردنية والعربية، غير عابئ باتفاقيات سلام ولا بقوانين ومواثيق دولية بقيت دائما في الحالة الاسرائيلية مجرد حبر على ورق!
هذا العام لن تتمكن السفارة الاسرائيلية في عمان من إقامة احتفالها السنوي بذكرى المعاهدة، ولن يتمكن أحد ممن اعتادوا في السنوات السابقة على المشاركة باحتفالاتها، من التسلل إلى مقر السفارة في الرابية، الخاوية اليوم على عروشها، بعد حادثة السفارة في عمان التي ذهب ضحيتها مواطنان أردنيان، تماما كما هدر دم القاضي الشهيد رائد زعيتر، فيما ما يزال كبير قتلتهم بنيامين نتنياهو يرفض الاعتذار للأردن او تقديم القاتل المباشر للمحكمة.
السفارة المغلقة في الرابية منذ أكثر من شهرين، والعلاقات الدبلوماسية المعلقة مع هذا الكيان على خلفية جريمة السفارة تكاد تختصر تاريخ معاهدة "السلام" الذي بقي باردا شعبيا منذ توقيعها، وفاترا في الغالب رسميا رغم المبادرات والمحاولات الاسرائيلية المستميتة لتحقيق اختراقات تطبيعية في أوصال القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية والشعبية الأردنية التي بقيت، رغم بعض الاستثناءات، عصية على التطبيع مع هذا العدو الذي يضرب عرض الحائط بكل المصالح الأردنية والعربية.
أزمة السلام الموهوم مع الكيان الاسرائيلي كانت وما تزال في أن المعاهدات التي وقّعت معه حاولت القفز عن جوهر الصراع مع اسرائيل، باعتباره صراع وجود لا حدود، وهو جوهر يؤمن به الاسرائيليون حق الإيمان قبل العرب. كما أن أزمة هذا "السلام" أنه جاء ضمن استراتيجية اسرائيلية وبدعم أميركي غير محدود، اعتمدت تفتيت الموقف العربي، والانفراد باتفاقيات ثنائية في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، بحثا عن التطبيع المباشر مع العالم العربي بعيدا عن الاشتباك مع استحقاقات الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية.
أزمة "السلام" هذه تعززها أيضا أن المعاهدات تأتي في خضمّ غرق المجتمع الاسرائيلي، وليس فقط حكوماته، في اليمينية المتطرفة والفاشية، التي ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والشرعية في أرض وطنه. وفي المحصلة بقيت معاهدات "السلام" المصرية والفلسطينية والأردنية مجرد مراوحات ومشاغلات اسرائيلية ضمن مشروع الاحتلال لاستكمال هضم وابتلاع ما تبقى من أراضٍ فلسطينية محتلة، والتأسيس لمرحلة التوسع اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا في العالم العربي!
إرهاصات هذه المرحلة تبدو اليوم واضحة في المحاولات الأميركية والاسرائيلية لتطبيع العلاقات بين اسرائيل ودول عربية والتنظير لإقامة تحالفات مصالح بين الطرفين بزعم التصدي للخطر الإيراني وغيرها من تنظيرات!
ما لا يقرأه الإسرائيليون ولا الأميركيون هو أن كل معاهدات السلام مع حكومات عربية، ما وُقّع منها وما يمكن أن يوقع، لن تصمد أمام تمسك الشعوب العربية بحقها في فلسطين، وما دامت اسرائيل ترفض الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه وتواصل احتلالها وعدوانها واستيطانها وتدنيسها للمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وقدسها.
ربع قرن تقريبا على معاهدة وادي عربة، التي وقعت في خيمة بصحراء الجنوب، لم تكن ولن تكون قادرة على جلب السلام مع عدو يرفض الإقرار بالحقوق الوطنية وبالشرعية الدولية. وسيبقى سلاما موهوما يحسبه الظمآن ماء تماما كما هو غبار الصحراء التي وُقّعت فيها الاتفاقية العام 1994!
الغد 2017-10-26