مخاوف نتنياهو على مستقبل إسرائيل
منذ إعلان تأسيس دولة الكيان الصهيوني، يتطرق الإسرائيليون اليهود (ومن قبلهم العرب من مسيحيين ومسلمين) إلى مسألة مستقبل هذا الكيان. ورغم أن موضوع نهاية/ زوال هذه «الدولة» هي فكرة دينية وتاريخية في الأصل، إلا أن أحدا في إسرائيل لا يحب مناقشة الموضوع المذكور كلما أطل برأسه في كثير من الأحيان وخاصة أثناء الأزمات، كما حدث مباشرة بعد هزيمة حزيران 1967. يومها، كتب البروفيسور اليهودي المناهض لإسرائيل (يشعياهو ليبوفيتش): «في اليوم السابع، اللاحق لسادس أيام تلك الحرب، ستبدأ نهاية إسرائيل إذا لم تستيقظ». وبعد حرب تموز 2006، أقر رئيس المعارضة آنذاك ورئيس الوزراء الحالي (بنيامين نتنياهو) بأن «الحرب أعادت سؤال الوجود الى التلويح من جديد فوق رأس إسرائيل، بعدما أزالته حرب حزيران». ورأى (نتنياهو) في حينه أن «التساؤل عن إمكانية بقاء إسرائيل لم يعد يقتصر على أعدائها، وإنما شمل أصدقاءها أيضا».
اليوم، ها هو (نتنياهو) يعود مجددا تحت وطأة أسئلة المصير المستقبلي وما يكتنفه من هواجس ومخاوف تطال كثيرا من الإسرائيليين، وخلال لقاء «ديني» في منزله مخصص لطرح مسألة مستقبل إسرائيل وشروط بقائها، وكأني بمسألة نهاية/ زوال إسرائيل أضحت مسألة تناقش علانية على أجندة الجدل الإسرائيلي. فهذه المرة، المتحدث عن ذلك هو رئيس الوزراء بالذات والذي قارن الدولة الصهيونية بمملكة الحشمونائيم، المملكة اليهودية التي أسقطتها الامبراطورية الرومانية في العام 63 قبل الميلاد، مقارنا: «على مدى 80 عاماً نجح الحشمونائيم في الخروج من وضع صعب جداً... علينا أن نتعهد بأن تحتفل إسرائيل بمئويتها».
لكن، حقيقة، أين يكمن التهديد الوجودي لإسرائيل في وضع إقليمي خال من أي تهديد حقيقي لها؟! ربما لا يكون التهديد واقع حال في المنظور القريب جدا، لكن ربما على الأمد الأبعد قليلا، آخذين بعين الاعتبار تقرير وكالة الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» الأخير حين تحدث عن أن «المنطقة تتغير في غير مصلحتنا، خاصة تعاظم الخطر الإيراني في سوريا»، ثم تبعه تصريح رئيس أركان جيش «الدفاع» (غادي ايزنكوت) من أن «التطورات السورية خطيرة جدا»، إضافة الى تصريحات وزير «الدفاع» (أفيغدور ليبرمان) بأننا «نواجه شرق أوسط أسوأ بكثير من الشرق الأوسط القديم». كذلك، باتت الدولة الصهيونية تعترف ضمنا بفشل مخططاتها لاستقدام يهود العالم، باعتبار الهجرة رافدا هاما لاستمرار الكيان، فقد أكدت «الدائرة المركزية للإحصاء الإسرائيلي» أنه، وللمرة الأولى منذ 2009، فإن عدد الذين تركوا فلسطين المحتلة كان أكثر من الذين هاجروا إليها». وأظهر تقرير «الدائرة» الأحدث أنه، «في 2015 انتقل إلى هجر فلسطين المحتلة نحو 16.7 ألف إسرائيلي، غالبيتهم عائلات، في حين استوطن 8500 يهودي».
ودون أن ننسى الجيل الإسرائيلي الحالي الذي أدرك كذب الأساطير التي تربى عليها من نوع «أرض الميعاد» و»الشعب المختار»، يمكن اعتبار تصريحات (نتنياهو) جزء من الحالة النفسية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي جراء الحروب بالمنطقة فضلا عن الوضع الاقتصادي السيئ (نسبيا طبعا)، مثلما يرد في الاعتبار أيضا كون (نتنياهو) يواجه قضايا فساد (قد تنهي حياته السياسية إن لم تأخذه إلى السجن) فلربما هدف من وراء هذه التصريحات إثارة المخاوف مع توظيفها (كعادته) في خدمة مصالحه الشخصية وبقائه على سدة الحكم في أي انتخابات قادمة! ومن المعروف أن (نتنياهو) لطالما قدم نفسه على أنه القادر على ضمان أمن إسرائيل، في وقت يرى عديد المحللين أن هكذا تصريحات هي جزء من الاستراتيجية الاسرائيلية التي طالما وضعت نفسها في إطار صورة «الدولة الصغيرة المحاطة جغرافيا بأعداء يهددون وجودها»، فتجلب بذلك تعاطف وتأييد العالم. وفي هذا السياق، قالت صحيفة «هآرتس» في افتتاحية تناولت تصريحات (نتنياهو) خلال «ملتقى التوراة» الذي أحياه في مقره الرسمي: «أقوال نتنياهو توفر اطلالة ما على مزاجه كزعيم، إذ يتبين المرة تلو الأخرى أنه شخص ذو فكر متشائم، دفاعي وبقائي، يترجم في السنوات الأخيرة أيضا إلى سياسة إسرائيلية هدامة: رفض سياسي عضال، إدارة ظهر لمبادرة السلام الإقليمية، عدم ثقة مطلقة بالاتفاقات الدولية، وارتباط بالقوى الرجعية». وأضافت الصحيفة: «خلال سنوات حكمه، لم يقد نتنياهو نحو تحالفات مركبة أو مع معارك عسكرية استثنائية بهدف ضمان وجود الدولة. فقد اهتم أساسا بالابقاء على الوضع وفضل «ادارة النزاعات» على حلها. وإرثه هو إرث سلبي: سيفعل كل ما يلزم للحفاظ على حكمه، وسيفضل الانشغال بتخويف الشعب».
رغم غياب المشروعين الوطني الفلسطيني والعربي المساند، فإن إسرائيل – واقعيا–يتوفر فيها كل مقومات زوالها كمشروع استعماري/ «استيطاني» إحلالي عنصري منافي للأخلاق والوجود والإنسانية، وذلك بحكم أنها دولة وظيفية عسكرية وتعيش كجسم غريب عن المنطقة العربية، الأمر الذي يجعلها تبقى في حالة من القلق الشديد على مستقبلها خصوصا وأن الأمن بالنسبة لها هو الأمن المطلق. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن قادة اسرائيل يدركون أن «إسرائيل» فشلت في أن تكون دولة مدنية متحضرة وتحولت الى دولة عنصرية، ما ينعكس سلبا على إمكانية صمودها. أما بالنسبة (لنتياهو) فإن مجرد طرح سؤال الوجود يعني الشك وعدم اليقين ومخاوف حقيقية من زوال «كيانه المصطنع».
الراي 2017-10-27