الحلفاء والأصدقاء والأنداد
في لحظة ما على الدولة أن تبني الشراكات والصداقات والتحالفات أيضا على مسطرة الندية، والتخلي عن أنماط الشراكات المفتقدة للتوازن التي قد تجعل الطرف الذي يعتقد أنه الأضعف يدفع الثمن مضاعفا، فالأنداد هم الاقدر والاكثر كفاءة وحرصا في الحفاظ على هذه الانماط من العلاقات بين الدول؛ والندية هي القادرة على حماية المصالح، وهي في المحصلة جهاز عصبي يستشعر من خلاله اطراف المعادلة مصالحهم الحقيقية.
في الوقت الذي يتغير فيه الاقليم بسرعة حولنا، يبدو أن رهان الأردن على انماط علاقات الرعاية يحتاج الى مراجعة جذرية، وليس مجرد شعار يردده الخطاب السياسي على طريقة (حان الوقت للاعتماد على الذات)، كلما ذهبت الحكومات الى تمرير بعض السياسات الاقتصادية التي لا تحظى بالشعبية، وهذا لا يعني الدعوة لاستبدال التحالفات والشراكات التقليدية بالضرورة، بل العمل على تغيير الاسس التي تقوم عليها هذه العلاقات والبحث عما يمكن ان نقدمه للآخرين وبأي ثمن وبأي مقابل.
هذه الحركة الواسعة التي يشهدها الاقليم من حولنا، تصب في نهاية الامر في رسم خريطة جديدة للمصالح والتحالفات، وفيما مارست العديد من الدول استدارات متعددة فإن الكثير من الأطراف ما يزال في مرحلة جس النبض، فيما أطراف أخرى اعتادت أن تكون صدى للآخرين؛ فالجميع يأخذ بعين الاعتبار أربعة عوامل جديدة: الأول؛ التغير في ميزان القوى على الساحة السورية. والثاني؛ البرنامج الأميركي الجديد حيال الشرق الأوسط وإيران تحديدا. والثالث؛ ازدياد حجم فاتورة الصراع على الأطراف كافة. والرابع احتمال دخول المنطقة بأكملها في مرحلة إعادة تأهيل استراتيجي تشمل إعادة الإعمار ومبادرات اقتصادية كبرى.
هناك إدراك دولي أن العام الحالي كان استمرارا للأعوام الخمسة الماضية، وأنه قد حان الوقت للانتقال من سنوات الفوضى والاقتتال إلى احتواء الفوضى، حيث سادت نزعة العسكرة والتدخل واستخدام القوة المفرطة وصفقات التسلح غير المسبوقة، في الوقت الذي اخذت تنحسر فيه القوة العسكرية للتنظيمات المتطرفة، فيما تظهر انعكاسات انخفاض أسعار النفط بشكل غير مسبوق منذ عقود طويلة، ثمة صناديق سيادية عملاقة ما تزال ملكيتها تعود للمنطقة، وثمة حاجة ملحة لإسالتها، في المقابل يزداد إدراك القوى الكبرى بالحاجة إلى الخروج من سنوات التباطؤ في النمو الاقتصادي التي يشهدها العالم.
لا يوجد للأردن موارد سياسية واستراتيجية للقفز في واجهة الأحداث المتسارعة من حولنا، ولكن هذا لا يعني الجلوس في مقعد المتفرج في انتظار أن تأتي لنا الأحداث، أو الاكتفاء بردود الأفعال أو اجترار عواطف الآخرين، هناك مجموعة من المتغيرات التي تستدعي ضرورة الاستثمار السياسي فيما يحدث حولنا، والانتقال إلى دبلوماسية أكثر قدرة على المبادرة وصناعة الأحداث، وتحديدا الحاجة الماسة لتغيير خريطة الإدراك الرسمي للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية، أي القدرة على تقديم النفس كشريك حقيقي قادر على التأثير في الأحداث وفي مصالح الآخرين.
اليوم لا توجد دولة في العالم مهما أوتيت من قوة ومن موارد قادرة على الاعتماد الكامل على الذات، لذا تسعى الدول لبناء التحالفات والصداقات والشراكات القائمة على الندية؛ أي القادرة على تبادل المصالح والقادرة على الإيلام أيضا.
الغد 2017-10-30