منجم ذهب آخر
سيقنص المتربصون بالحكومة الفرصة ليقولوا بلسان طلق: وشهد شاهد من أهلها. المواطن ليس فقط منجم ذهب، كما ذهب وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني بلقائه نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي. وسيزيدون: المواطن دجاجة بياضة.
هو حيط متطامن (تنط) عنه كلما دهمك خطب، أو تلعثم بك عطب. أو كما تهكموا في الفضاء الأزرق (فيسبوك): المواطن جيب مفتوحة، مثل فم جائع تمتد إليها اليد لتسكر عجزاً هناك، أو تجبر كسراً هنا. المواطن (الهبيان) حنى ظهره لحكومات تصرفت تصرفات نفطية، وهي لم تلحق القليّة (القمح المحمص).
بالطبع لن أقف عند تربص المتربصين. بل سنتذكر كيف سادت الصحافة الورقية المواقف لمئات السنوات، وظلت تقود الرأي العام، وتفصله كيف تشاء. ترفع حكومات وتسقط أخرى. كانت السلطة الرابعة التي تراقب السلطات وتحثها. هي صاحبة الجلالة والمهابة.
قبل ربع قرن انطلقت الصحافة الإلكترونية عالمياً، يومها تنبأ كثيرون بتلاشي الورق، وأن الصحف التقليدية ستنوء بثقل همومها وشؤونها. وسيكون الفضاء لمن ركب موجة الإنترنت وفهم ميزاته وصفاته.
لكن بقاء الحال من المحال. ففي غمضة عين رأينا كيف تراجعت الصحافتان: الورقية والإلكترونية أمام مد الصحافة الشخصية (صحافة مواقع التواصل الإجتماعي) بداية العقد الثاني لهذه الألفية العجيبة. حيث لا ضوابط أو قواعد. وفي كثير من الأحيان، هو عالم لم يعد فيه ثمة كبير، ولم يبق به للجوهر مكان. السطحية تستولي على أجوائه، وتغرق العمق وتقصيه.
ورأينا بعين الحسرة كيف أن بعضاً من (الزعاطيط) أكلوا الجو وشربوه. واشتهروا وهم خواء بخواء. حصدوا الإعجاب على جملة متلعثمة ثلثاها أخطاء ومعناها عماء. لكن يبدو أن هذه الموجة تتناسب مع غوغائية هذا الزمن.
لا أقلل من شأن مواقع التواصل الإجتماعي، لكننا نعرف أن كثيراً ممن يسمون نشطاء. ليسوا إلا مراوح تهوية. (حكاكو دبر). يمشون مع الموجة، ويسايرون الشارع ويدارونه، ويلهثون وراء التصفيق. وأن كثيراً منهم لا فكر ولا معرفة ولا موقف إلا موقف الرمال المنثالة. شغلهم التجييش والمراجل الهوائية، ونفث السموم الإحباط واليأس. والأهم أن معاركهم تظل زوبعة فنجان.
لن أقف أيضا عند الكيفية التي نختار بها هؤلاء النشطاء؛ لمحاورتهم واستخلاص عبر تجاربهم. ولكني أرى أنه كان على الحكومة أن تبحث عن الذهب الحقيقي للآراء والمواقف. أن تفتش عن رواد الكلمة الحقيقيين، الذين لا يكذبون أهلهم. هؤلاء ربما لا يكونون محترفين بركوب (السوشال ميديا). لكنهم ممتلئون بالرؤى والصدق.
للأسف ما زالت تغرينا القشور بهيلمانها البراق وتبعدنا عن الأعماق. فمشاكلنا لن يحلها من اعتقد أنه امتلك العالم (بهبله) وجُمله الحلمنتيشية، لمجرد أن صفق له الشارع الافتراضي. فما أكثر التراب يا صديقي. وما أقل الذهب فيه.
الدستور 2017-10-30