لماذا لم يهتم الأردن بوساطة الأكراد؟
برغم أن المعلومات تحدثت عن وساطة أردنية بين الأكراد وحكومة بغداد المركزية، وأن هذه الوساطة لم تنجح، لاحقا، إلا أن علينا ان نتحدث بصراحة بشأن الافتراض بنجاح هكذا وساطات أصلا.
علاقات الأردن مع الاكراد ممتازة تاريخيا، وعلاقات الأردن تحسنت كثيرا مع بغداد المركزية، والأردن الذي حاول التدخل بين الطرفين بوساطة خجولة، لم يكن يريد في الأساس التدخل، وقد تم احراجه بهكذا وساطة، والسبب في ذلك ان الأردن على الصعيد الخارجي، يدير علاقته على أساس عدة محاور هذه الأيام، عنوانها الرئيس أن «دعونا نتفرج فقط».
أبرز هذه المحاور الابتعاد عن كل الأطراف مسافة مناسبة، وإبقاء العلاقات جيدة، دون الاشتباك المبالغ به، لصالح أي طرف ضد أي طرف آخر، إدراكا من الأردن ان كل المعادلات باتت تتغير يوميا، وليس مناسبا ان ينغمس الأردن كثيرا، في أي علاقة قد تفسر لاحقا ضده، لأي سبب كان، ونرى بأم اعيننا كيف تتبدل التحالفات يوميا في المنطقة.
ثاني هذه المحاور اعتقاد الأردن أن الحفاظ على مصالح الأردن، يكون بإعلان عناوين عامة، حول مواقفه، والبقاء متفرجا او حياديا، وهذا المحور له إيجابيات وسلبيات، ومن أبرز ايجابياته، ان لا أحد يسجل موقفا ضدك، من حيث المبدأ، لكن أبرز سلبياته، اننا قد نخرج فرقا في الحسابات عند تسويتها في المنطقة.
يؤمن الأردن في المحور الثالث، ان أي حركة في الإقليم، من جانب حكومات او تنظيمات، او أي جهة أخرى، توجد خلفها أطراف كامنة في السر، والأردن عبر سياسة الحياد، والإبقاء على مسافات متقاربة، يريد ان يضمن ان لا يدخل في مواجهة مباشرة مع الطرف الأساس، الذي يتبنى الطرف الظاهر، أي ان الأردن، يرى في الاكراد واجهة لمشروع أكبر منهم، ويرى في كل طرف اخر، طرفا يديره في السر، وهكذا يتجنب الاردن، مواجهة الأطراف الاصلية.
الأردن يدرك أيضا، على صعيد ملف الاكراد حصرا، ان هناك أطرافا دولية وإقليمية وعربية، تعلن غير ما تبطن، وان هذه الأطراف تؤيد في الأساس انفصال الاكراد، حتى لو أدى ذلك لتقسيم العراق، وهنا كلمة السر، فالاردن، يدرك ان قصة الاكراد، اعقد بكثير، من ظاهرها، وكان يتجنب في الأساس مواجهة المعادلات التي تدير قصة الاستفتاء والانفصال، لاطلاعه أيضا، على المواقف الحقيقية والسرية لدول كثيرة، ولا يريد الأردن الاصطدام معها، عبر اجراء مصالحة بين بغداد وكردستان، خصوصا، ان هناك اطرافا تريد الانفصال لغايات تدمير المشروع الإيراني في المنطقة، في المحصلة.
لاجل كل ماسبق، لم يكن الأردن ليتدخل كثيرا في ملف الاكراد، لاعتبارات تخص هذا الملف حصرا، ولاعتبارات تخص مجمل شؤون المنطقة، والواضح ان الأردن اليوم، يفضل ان يتجنب كل معادلات المنطقة، نظرا لكلفتها وتعقيدها وتقلبها، وان ينشغل الى حد كبير بداخله، وهو امر يعده مراقبون من جهة أخرى، تراجعا في الدور الخارجي، على عكس مراحل سابقة، لكن الطوابق العليا في القرار، ترى ان هذا قد يبدو تراجعا، لكنه في حقيقته طوق نجاة امام مايجريفي المنطقة.
الدستور 2017-10-30