داعش والجواسيس و"أبو نعيم"
أعادت محاولة اغتيال مسؤول الأمن، الذي عينته حركة "حماس" في قطاع غزة توفيق أبو نعيم، تسليط الانتباه على الرابط الذي يبرز أحياناً بين الاحتلال وقوى تدّعي التطرف بالإيمان والدين، (مثلما ترتبط في حالات أخرى بقوى قد تدّعي الوطنية)، وتوضّح مجدداً الرابط بين قضية الوحدة ومتطلبات التحرير. وإذا كان قد ثبت سابقاً الربط بين تنظيم (داعش) والتجسس لصالح الاحتلال، فإنّ الفكر الذي سرّبه هؤلاء الجواسيس، قد يكون أخطر من العمالة ذاتها.
نشرتُ في شهر آيار (مايو) الفائت، مقالاً في الغد، بعنوان (داعش والجاسوس في غزة)، وهذا المقال استمرار له، لأنّ محاولة اغتيال أبو نعيم (22 عاما في الأسر) حلقة جديدة، أهم ما فيها أنّ العمالة قد تماهت، أو زُرعت على شكل أفكار وعقائد، قد يؤمن بها من يعتنقها فعلاً بإخلاص، معتقداً أنّها خير، وقد يستخدمها آخرون لأغراض شخصية.
في أثناء الانتفاضة الأولى، 1987- 1991، تسربت رسائل من داخل سجون الاحتلال، تتحدث من قبل أسرى لفصائلهم في الخارج عن اعتداءات وانتهاكات من قبل الفصائل الأخرى، وتحديداً عن "صراعات" بين "فتح" و"حماس"، وأخذ الموضوع مداه من توتر في الخارج وفي الإعلام الفصائلي خارج فلسطين، قبل أن يتضح تزييف الاحتلال للرسائل. وفي عام 2012، اعترف شخص أمام أجهزة أمن "حماس" في غزة، بجاسوسيته للاحتلال، وبأنّ من المهمات التي كلف بها، إشاعة أقوال حول عائلة الرئيس ياسر عرفات، واتهام زوجة الرئيس الراحل بالفساد والسرقة. وعندما سقط أشرف أبو ليلة، المتهم بقتل أحد عناصر حركة "حماس" (مازن الفقهاء)، في وقت سابق من هذا العام، تأكد أنّه كان من الأكثر دمويّة في حملة سيطرة "حماس" على غزة عسكرياً عام 2007، في قتل عناصر "فتح". وبحسب الرواية التي يروجها هو، وحتى بعض من أيد، وما يزال يؤيد، ما فعله عام 2007، فإنّ ارتباطه بشخص يدّعي الفكر السلفي الجهادي، اتضح أنه ضابط مخابرات إسرائيلي، تم بعد ذلك. وبغض النظر عن تاريخ الارتباط الفعلي بالعمالة والجاسوسية، فإنّ هذا لا يلغي أنّ الانحراف الذي قاده للعمالة ربما كان موجودا سلفاً.
في هذا الشهر، أعلن عن ضبط أشخاص ينتمون أيضاً لما أسمته أجهزة "حماس" الأمنية، بأصحاب الفكر المنحرف، وهو اسم بات يطلق على من يتبنى العنف باسم السلفية الدينية، ضد المجتمع، وفي هذه الحالة، كان الحديث عن أشخاص، منهم من يدعى نور عيسى، مع مؤشرات وتلميحات، أنّه كان يستهدف العمل في داخل مصر، وأنّه كان على علاقة مع الجاسوس أشرف أبو ليلة.
الآن تأتي محاولة اغتيال أبو نعيم، الذي يرتبط اسمه منذ أُطلق سراحه بصفقة تبادل قبل أعوام قليلة، وتوليه مناصب أمنية، بمهمتين أساسيتن، الأولى العمل على ضبط الحدود مع مصر، والثانية تنفيذ اتفاقيات المصالحة الفلسطينية الأخيرة. وإذا ما نجحت المهمتان، يفترض أن تؤديا لخفض الحصار عن غزة، وتوحيد للنظام السياسي الفلسطيني. وأشارت أصابع الاتهام، إلى كل من داعش والإسرائيليين، لأنّهما المتضرر الأول من انتهاء حالات الفوضى، والانقسام، والحصار.
بغض النظر عن وجود علاقة فعلية في حالة اغتيال أبو نعيم، بين المنفذين والاحتلال، كما كان الأمر في حالة اغتيال الفقهاء، فإنّ الدلائل باتت تزداد على قواسم مشتركة بين الاحتلال وبعض مدّعي التطرف (أو التشدد) الديني السلفي الجهادي. ومن هذه القواسم العداء للوطنية الفلسطينية، أي العداء للهوية الوطنية التي يتبعها بالضرورة توحيد العمل الفلسطيني وتوجيهه للمصلحة الوطنية، ويتبعه إنهاء حالة الفوضى. وفي الحد الأدنى، فإنّ أفكار وممارسات هؤلاء العنيفة والإقصائية والانقسامية تواتي المخططات الإسرائيلية.
إذا كانت الأسباب الإسرائيلية للعداء للوطنية والوحدة الفلسطينيتين جلّية، فإنّ الأسباب التي قد تدفع عناصر تعلن الانتماء للفكر السلفي الجهادي السائد حالياً، هي أنّه دون فوضى وسلطة ضعيفة وفراغ سياسي وإداري لا مجال لحضور وتوسع في حضور هذه العناصر، فضلا عن أنّ الوطنية غير مهمة، أو مرفوضة في هذا الفكر.
التقاء المصالح بين الاحتلال وهذه العناصر حريّ بجعل قطاعات واسعة من الناس، ومن قادة الرأي، أن تراجع أي تأييد للانقسام الداخلي وللعنف ضد "الآخر" في الوطن.
الغد 2017-10-31