حبل العاصمة الجديدة

تم نشره الثلاثاء 31st تشرين الأوّل / أكتوبر 2017 01:12 صباحاً
حبل العاصمة الجديدة
رمزي الغزوي

لا شيء أكثر استقامة من حبل مشدود. وسيشهد بهذا (الطوبرجية)، والمعمارجية، والمهندسون الحاذقون. ولا شيء يبعج المشاعر ويفلطحها إلا مدُّ التصريحات، وشدّها بين خمسة أوتاد. 

الذين عبروا شارع الرشيد الشهير في بغداد، وتمتعوا (بستكانة) شاي من مقهى أم كلثوم في أوله، واشتروا كتباً من سوق السرايا في منتصفه. ربما فاتهم أن الشارع كثير الإنحناءات كان مخططاً ليكون مستقيماً كمسطرة جديدة، أو كحبل مشدود بين وتدين.

في عام 1910 أراد حاكم بغداد العثماني آنذاك (خليل باشا جاده سي) أن يشق الشارع، فشدَّ حبلا بين الباب الشرقي والباب المعظم ليكون مستقيما دون أن يحيد يمنة أو يسرة. لكن الحبل شاط بالإنحراف والإنبعاج.

كان يبتعد إذا جاء عند بيت وجيه أو ثري كي لا يهدم السور. وكان يقترب الحبل بجرأة ليأكل بيوت الفقراء الذين لا ظهر لهم، دون خوف أو وجل. وتستطيعون تخيل ما حدث حينما تدققون بمسطرية الشارع الآن.

ابتهجنا بعاصمتنا الجديدة التي استطيع أن أخمن مكانها المفترض، وأنا لست من الخمسة الذين شدوا حبلها المرسوم. لكن ثياب الحيرة تخنقنا. فالتصريحات لم تحترم ذكاءنا أبداً، بل جاءت كمن يريد أن يشاغلنا عن شيء كبير، أو لصرف أنظارنا عن أمر جلل. 

الأصل أن يتم الإعلان عن المدينة القادمة (قلم قايم). فهي مشروع نقدره، ونتمنى أن يكون بداية حقيقة لإستراتيجية مفادها (أن نكبّر مقلاتنا)، وأن نجرؤ على المشاريع الكبرى، وألا نخاف من اقتحامها. فالإبل تحمل أثقالها بقوة قلوب أهلها، كما قال أجدادنا.

لكن أن يكون الإعلان بهذه الطريقة الدرامية الفنتازية التحزيرية، فهذا كحبل مشدود حول رقابنا، يضيق آفاقنا، ويجحظ عيوننا. وسيبقى أكثر ما يشنقنا أن حبل المدينة لا يعرف أوتاده إلا خمسة، قد لا يكونون بشرييين. بل فضائيين من كوكب ب 612. 

يحق لنا أن نتفهلو: لماذا كانوا خمسة، وليس سبعة؟. ولماذا لم تكن المدينة سداسية الشكل، كخلية نحل تليق بنشاطنا. لا أحد سيعرف بالطبع، فهذا ضرب في ودع رمال النجوم. ولهذا انفتح الباب للمتهكمين ليقولوا: الشكل الخماسي زواياه منفرجة، وهذا فأل حسن وبداية انفراج. لكن زاوياه كبيرة قد (تفلخ) مشيتنا، وتعرقل هرولتنا. 

دائما دائما ينسى الذين يودون بناء وطن حقيقي يليق بأحلام وتطلعات أهله، أن الإستقامة سيدة الأشياء. وأن الضبابية تخنق كل مستقيم.  

الدستور 2017-10-31

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات