الإرهاب والترهيب
لعل الفرق الحسي الملموس بين مفهومي الإرهاب والترهيب، كالفرق بين مصطلحي الحرب الساخنة والحرب الباردة، حيث تدور الاولى بالحديد والنار، سواء بالأصالة او الوكالة، وتنشب لفترات زمنية محدودة، فيما تجري الثانية بوسائل ناعمة وادوات اخرى غير مميتة، ليست بينها الاسلحة النارية على اي حال، ولا يتخللها الغزو والاجتياح والكر والفر، وان كانت تهدف الى ما تهدف اليه الحرب بكل اشكالها، بما في ذلك الفرض والإملاء والسيطرة على ارادة ومقدرات الدولة المستهدفة.
وفي معجم اللغة، تُطلق صفة الارهاب على انشطة الذين يسلكون سبيل العنف المميت لتحقيق اهداف سياسية، والارهابي هو من يلجأ الى القتل لإقامة سلطة او تقويض سلطة، سواء اقام بهذا الفعل فرد او منظمة او دولة، بينما الترهيب سلوك متعمد من شأنه ان يسبب حالة خوف او يلحق ضرراً او اذى لشخص ذي مكانة اعتبارية، بأفعال او كلمات تنطوي على التخويف والتهديد والترويع، وغير ذلك مما لا يستطيع المجني عليه اثبات ان ذلك السلوك غير العنيف كان ارهاباً.
لسنا في صدد التنظير لمثل هذ المفاهيم والمصطلحات الرائجة في هذه الآونة، وانما الغاية هي الخوض في غمار ما نعيشه اليوم من ممارسات فردية تتوسل الترهيب بمعناه الاصطلاحي، لتخويف الغير ممن يخالفونهم الرأي، وحملهم حملاً على الاستجابة لمنطق وطريقة حياة قلة قليلة، تعتقد انها تملك الصواب وتحتكر الحقيقة، وترغب في املاء افكارها على الجميع من حولها، مستخدمة تقنيات العالم الافتراضي، ووسائط التواصل الاجتماعي، التي باتت تضج بالتحذيرات والإنذارات والإساءات.
ولما اصبح من غير الممكن الترويج للإرهاب، بعد كل ما شهدته المنطقة من مجازر وتهجير وخراب، وبات التعاطف مع الارهابيين محل مساءلة قانونية، تحوّل من في نفوسهم بقية باقية من لوثة إرهابية، الى ممارسة سياسة الترهيب، التي من الصعب ملاحقة اصحابها بالحيثيات الاتهامية الكافية، وإثبات المجني عليهم صحة ما أصابهم من ضرر وما نالهم من خوف او مسّهم من رعب او غير ذلك، الامر الذي عقّد الموقف على ضحايا عمليات الترهيب، وجعلهم أميل الى غض البصر والمسامحة.
غير ان ما صار يلفت الأنظار في هذه المرحلة، لجوء الترهيبيين الى ساحة القضاء، لإعلاء صوتهم وزيادة فعالية تأثيرهم، وتنويع ادواتهم الهجومية، بعد ان فشل الاعلام الحديث في العالم الافتراضي، في إشاعة الخوف والتخويف، وردع المشتغلين في المجال العام عن المضي قدماً في بث التنوير، وتعميم الثقافة المتفتحة على قيم العصر ومبادئه ومثله الحضارية المشتركة، بما في ذلك الاعتدال والوسطية والتسامح والمواطنة والقبول بالآخر، وما الى ذلك مما لا يروق لذوي الرؤية الأحادية المتعصبة.
ومما يثير الانتباه ايضاً، أن الترهيبيين، وهم ابناء عم الإرهابيين، هم اليوم في حالة هجوم كاسح ضد المثقفين الوطنيين الديمقراطيين، لا يتورعون عن النيل، ليس من الافكار والقيم الحداثية المناهضة لروح الكراهية والعمى الايديولوجي، وانما من اصحاب هذه القيم والمثل انفسهم، وليس على صفحات التواصل الاجتماعي فقط، وانما كذلك عبر منصة القضاء والمحاكم، التي أخذت تشهد مؤخراً الكثير من الدعاوى المقامة ضد نساء ورجال من قادة الرأي العام، كتب بعضهم مقالاً، او رسم بعضهم الآخر رسماً كرتونياً، ثم وجد نفسه موضع مساءلة قانونية.
لقد أدى التحريض في مجتمعنا الى عواقب وخيمة، لم تمحَ
من الذاكرة بعد، وافضى الهجوم المتواصل عبر المواقع الالكترونية من الجميع ضد الجميع، الى ارتفاع الشكوى جراء استشراء هذه الظاهرة المرضية الطارئة على تقاليدنا المرعية، وليس في الافق ما يكبح من حدة هذه الفوضى الضاربة، سوى قانون مكافحة الجرائم الالكترونية، الذي نأمل ان يأتي عادلاً ومتوازناً ورادعاً لكل من يتجرأ على اغتيال الشخصية، وكافياً لإحقاق الحق بالسرعة المناسبة، لعل ذلك يشكل بداية جديدة.
نقول قولنا هذا وفي الذهن زملاء واصدقاء تعرضوا للذم والتحقير من على اوسع المنابر، وبعضهم اُخذ الى المحاكم بجريرة رأي او تشكيل رسم، فيما دفع أحدهم حياته، وهو ما يتطلب من كل ذي صاحب قلم ان يعبر عن شجبه لهذا المنحى الكريه، وان يعلن في الوقت نفسه عن تضامنه مع كل من استهدفتهم سياسة الترهيب المدانة على طول الخط المستقيم.
الغد 2017-11-03