سوق العمل: جرائم اقتصادية
للمرة الثانية خلال هذا العام نسمع معلومات صادمة عن فوضى العمالة الوافدة ولا ندري الى هذا الوقت ما الخطة البديلة، وهل اتخذت خطوات فعلية لتنظيم سوق العمل؛ حسب المعلومات الحكومية هناك نحو 800 ألف عامل وافد يعملون بدون تصريح عمل، ماذا يعني ذلك؟ بحسبة بسيطة هناك هدر بنحو 300 مليون دينار فقط من رسوم العمل المباشرة سنويا، علاوة على حجم الهدر ضمن سلسلة طويلة من الإنفاق الذي لا يتوقف عند حد السلع والخدمات المدعومة التي يستهلكها الجميع.
فوضى سوق العمل تفتح الباب مجددا للتفكير في القطاع غير المنظم، فهؤلاء العمال يذهبون في الاغلب الى هذا القطاع، يذهبون الى منشآت اقتصادية غير مسجلة رسميا، ولا تدفع رسوم ترخيص وتتهرب من الضرائب، وقس على ذلك سلسلة طويلة اخرى من الهدر والفوضى؛ فحسب آخر التقديرات، وهي قديمة، يشكل القطاع غير المنظم نحو ربع الاقتصاد الكلي ويجذب نحو 45 % من العمالة، ويذهب بعض الخبراء إلى انه جراء موجات اللجوء السوري تضاعف حجم هذا القطاع ووصل الى نحو 45 % في آخر اربع سنوات، وهذه ارقام كارثية. المسألة بكل بساطة انه حينما يكون نصف الاقتصاد ونصف سوق العمل غير منظم ولا يخضع للسجلات الرسمية ولا لأنظمة الضرائب ولا للمساءلة ولا ضبط الجودة ولا معايير عمل واضحة ولا حماية قانونية، فإنه ليس من المستغرب ان نشهد كل هذه التشوهات الاقتصادية وتواضع العدالة الاجتماعية وتشوهات المالية العامة.
حسب الارقام الرسمية يبلغ عدد العمالة الوافدة المصرح لها رسميا 350 الف عامل، في المقابل اكثر من ضعف هذا الرقم خارج التنظيم الرسمي وهم ليسوا خارج انظمة الاقتصاد ومحركاته وعلى رأسها انظمة الرسوم وبالتالي الضرائب للمنشآت التي يعملون بها؛ بل ان الامر يتجاوز ذلك الى انهم عبء آخر على الاقتصاد لأنهم يستفيدون من كل ما يفترض ان يستفيد منه دافع الضرائب الأردني.
في الجهة المقابلة؛ لا يمكن معالجة هذه الفوضى بعلاج اعراضها وفق الخطاب التبريري الرائج هذه الايام والذي يحاول استخدام هذه الاطروحة لرفع الدعم عن بعض السلع مقابل تعويض المواطنين، الاصل الذهاب الى بيت الداء والى رؤية واضحة وخطة حازمة لتنظيم سوق العمل بالتوازي تماما مع محاصرة القطاع غير المنظم، لا يمكن ضبط سوق العمل بدون الحد من القطاع غير المنظم وإخضاعه للتنظيم.
لا توجد ادلة واضحة حول طبيعة الأجور التي يتلقاها العامل الوافد، فقد تغيرت الدنيا مرات خلال العقد الأخير، ولا حتى مجالات العمل، فلقد تسرب العديد منهم الى قطاعات اخرى غير القطاعات التقليدية التي كنا نعتقد انها حكر على الأردنيين، واحدة من المشاكل الكبيرة في الاقتصاد الوطني هي الصراع الخفي بين اجندة الكفاءة الاقتصادية التي تنظر الى تحقيق اعلى عائد يتمثل في النمو الاقتصادي بغض النظر عن ظروف هذا العائد وتوزيعه وعدالته وبين منظور الفعالية اي تحقيق اهداف تنموية تُعنى بتطورات تراعي الظروف الاجتماعية وآلية تخصيص الموارد وتوزيع عوائدها؛ في ملف سوق العمل والقطاع غير المنظم نحن نضحي بالكفاءة والفعالية معا.
الغد 2017-11-06