عن الأردنيين: نايف القسوس.. شكراً
شعرتُ بالخجل كثيراً لأنّني لم أكن مطّلعاً- إلى أسابيع قريبة- على جهود وأعمال أحد أبرز العلماء الأردنيين، في مجال الأرشيف والتاريخ الوطني الأردني، د. نايف عودة القسوس، فما أن وصلتني بعض من أعماله ومؤلفاته (من الأستاذ بسّام الهلسا) حتى شعرتُ بحجم الظلم الواقع على الرجل جرّاء التجاهل الإعلامي والرسمي لما قام به من إنجازات وطنية غير مسبوقة!
المفارقة أنّ القسوس لم يحظ بأي وسام رفيع، وهو الذي عني بحفظ الأوسمة والميداليات والمسكوكات، وكان وراء تأسيس متحف النميّات الوطني الأردني الفريد، وجعل مجموعته (8 آلاف نميّة) من هذه النميّات والمسكوكات بمثابة النواة لهذا المتحف، الذي ما يزال هو أميناً عاماً له، بعد أن قام البنك الأهلي، برعاية الدكتور رجائي المعشّر، الذي أدرك أهمية الفكرة وتبنّاها في نهاية التسعينيات، ما أدّى إلى ولادة هذا المتحف الوطني المهم للنميات، وألحق مكتبته الخاصة بالمتحف.
بالرغم من أنّه في الأصل طبيب فم وأسنان، إلاّ أنّ شغفه المبكّر واهتمامه الشديد بالنميات والمسكوكات دفعاه لإتمام دراسته في هذا المجال، والتفرّغ الكامل له، فجمع الآلاف منها، واهتم بنميات بلاد الشام، وقدّم العديد من المؤلفات المهمة عن عصور هذه المنطقة وعن قيمة النميّات في التأريخ والأرشفة الوطنية، وحاضر في هذا المجال وكتب فيه، وله العديد من المؤلفات والكتب القيمة والثمينة في هذا المجال.
بالإضافة إلى هذه الأعمال المهمة في حماية الأرشيف الوطني، فإنّ هنالك خطّاً موازياً آخر لا يقل أهمية ولا قيمة، عمل على ترسيخه الدكتور القسوس ويتمثّل في تحقيق وشرح وحفظ المخطوطات الأردنية القديمة، فعمل على مجموعة عودة القسوس (1877-1943)، من مذكرات ووثائق وأوراق، ومذكرات شخصيات أخرى أغلبها من عائلة القسوس، لكنّها تحدثت عن تاريخ الأردن الحديث منذ القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، غنية بالمعلومات والبيانات وتوثيق الأحداث.
كما شملت أعمال القسوس توثيق التاريخ الشفوي الأردني، بخاصة في المجال الاجتماعي، وجملة من الوثائق الرسمية والاجتماعية المهمة، مع توثيق سرديات شفوية للعديد من الأحداث والقصص التي وقعت على فترات متعددة في تاريخ الأردن، مع تقديم ومراجعة لكتاب عن "معجم الألفاظ الدخيلة في اللهجة الأردنية" (قام بإعداده وتحقيقه إميل حنا القسوس هلسا).
في المجمل، ما قام به نايف القسوس وحده أو مع عدد محدود من الباحثين هو عمل يتجاوز ما يمكن أن تقوم به مراكز دراسات وأبحاث وخبراء ومسؤولين مجتمعين معاً، وقد ردم فجوة عميقة في تاريخنا الأردني وفي أرشيفنا الوطني، من دون أن يحظى بما يستحقه من تكريم ورعاية.
إذا كان هنالك معانٍ ودلالات عملية منطقية للبطولة، فإنّ هذا الرجل، د. نايف القسوس، هو البطل الأردني المجهول، الحارس الأمين على الثقافة الوطنية، الذي تنبّه مبكّراً وعمل بصمت، وبدأب حقيقي ومثابرة مذهلة على إنجاز أعمال وطنية كبيرة ليس في حماية الأرشيف الوطني (عبر النميات والتاريخ الشفهي)، بل بعبارة أدقّ لبنائه لبنةً فوق الأخرى، فليس أقل من أن تقول له الأجيال الأردنية: شكراً!
الغد 2017-11-10