الضياع في سيناء
تحمل العملية الإرهابية الدامية التي وقعت يوم الجمعة واستهدفت مصلين في مسجد يدعى الروضة في سيناء وراح ضحيتها 305 مصلين يقال إنهم يشكلون عشيرة كاملة، إشارة قوية على نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في المواجهة مع التطرف، وهي نقطة تحول كبيرة تنقل المواجهة في سيناء من استهداف العسكريين إلى استهداف المدنيين، بل تعد هذه العملية البشعة الأكبر في تاريخ مصر الحديث منذ بداية المواجهة مع الجماعات الاسلامية المتطرفة في الثمانينيات من القرن الماضي وصولا الى تصاعد هذه العمليات بعد العام 2004.
تشير هذه العملية إلى تطورات مهمة على رأسها طبيعة حركة العمليات الإرهابية وانتقالها إلى جبهات أخرى فمثلا إلى أين وصل الخلاف بين تنظيم الدولة والحركات الصوفية حيث يعود المسجد الذي تم تفجيره إلى إحدى الجماعات الصوفية المحلية؛ المحزن أن تصل الدعاية العربية والاقليمية التي تلقفت هذا العمل الإرهابي المفزع إلى حد الغمز بالدولة المصرية وربط هذا العمل بما يسمى "صفقة القرن" وبالحديث الذي بات يتكرر حول عمليات ممنهجة ومخطط لها لتفريغ سيناء.
صحيح أن أكثر ما تحتاج إليه مصر، خلال السنوات المقبلة هو الاستقرار، لكن في الوقت نفسه فإن أي استقرار يكتفي بالقوة وحدها سيكون استقرارا هشا، ولن يأتي بالأخبار السارة للمصريين. ولعله من المفيد اليوم أن تنظر النخبة المصرية الراهنة إلى اليوم التالي من زاوية أخرى؛ زاوية بناء دولة لكل مواطنيها، وذلك بالتخلص من الصراع على أجندات الثورات، والانتقال مباشرة إلى مسار بناء الدولة الذي من دونه لن يكتمل إثبات شرعية ما جاءت به الصناديق، هذا ما يذهب مباشرة الى ضرورة الحفر عميقا في تاريخ التيه في سيناء، فهذه الأرض القديمة ورغم عودتها بالمفاوضات قبل أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد ما تزال للأسف غريبة على مصر ولم تتمكن النظم السياسية المتتالية التي مرت على القاهرة من اكتشاف سيناء مجددا ودمجها في الوطن المصري لا تنمويا ولا سياسيا أو ثقافيا.
تشكل سيناء شبه الجزيرة الصحراوية نحو 6 % من مساحة مصر وباجمالي سكان يصل الى نحو مليون ونصف، وتقسم سيناء الى محافظتين؛ محافظة جنوب سيناء ومحافظة شمال سيناء والاخيرة بقيت هي المستهدفة ومعقل التنظيمات الإرهابية ولا يتجاوز عدد سكانها 400 الف. فمنذ تموز (يوليو) 2013، شهدت سيناء هجمات متعددة، سقط فيها مئات الجنود من الجيش المصري ورجال الشرطة وسبق أن شهدت منذ سنوات اعتداءات منظمة على خطوط الغاز التي كان يتبناها تنظيم انصار بيت المقدس قبل مبايعته تنظيم "داعش".
ورغم أن هذا الجزء من أرض مصر التاريخية كان دوما البوابة والمصد للغزوات التي واجهتها مصر منذ الهكسوس إلى العدوان الاسرائيلي إلا إن مصر المعاصرة تعثرت في دمج المجتمعات البدوية ومنحها المواطنة التي تستحق حيث غلبت الأبعاد الأمنية على الأبعاد التنموية، ما جعل التنظيمات الإرهابية تتسلل بسهولة لهذه المجتمعات، ومع ازدياد التدخل والضربات الأمنية أصبح من السهل فهم التحول في الصراع في الجهة الأخرى الذي يربط بين العقلية البدوية الثأرية والغطاء العقائدي الديني وهو مركب صعب ومعقد حينما تصبح المواجهة مع مجتمعات محلية.
المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي فهناك حاجة الى مراجعة تنموية جذرية وإعادة فتح ملف الأمن بحد ذاته.
الغد 2017-11-26