مقاربات مسكوت عنها للعنف!!
ستبقى الاسطورة الهندية عن الفيل والعميان الذين سقطوا عليه افضل وادق وصف لما يحدث الان في عالمنا العربي، حيث ندر ان نسمع او نقرأ تحليلا شاملا وبانوراميا لمشاهد العنف، واذا كان العميان قد وصف كل واحد منهم العُضو الذي ارتطم به من جسد الفيل فإن ما يحدث الان هو اختزال مماثل بحيث تكون المقاربات ذات بعد واحد، وهناك من يقتصر تحليلهم على البعد السياسي او الايديولوجي او الثقافي والتربوي او الاقتصادي رغم ان ما جرى هو تقاطع وتفاعل كل هذه الظواهر لأنها اشبه بالاواني المستطرقة.
فالاقتصاد سبب قدر تعلقه بالبطالة والتوحش الرأسمالي؛ لكن هناك قادة لتيارات العنف والارهاب من الاثرياء، ما يدفعنا الى البحث عن اسباب اخرى منها السايكولوجي والذي يتلخص في كل ما كتب في علم النفس عن نزعة العدوان والسادية والشيزوفرينيا،، والسؤال المسكوت عنه في هذا السياق لماذا اندفع العنف الى اقصاه في مطلع هذا القرن، رغم ان ما سمي العشرية السوداء في الجزائر وما حدث في تسعينيات القرن الماضي في مصر كان يندرج في خانة العنف، لكن ذلك العنف لم يتمدد على هذا النحو ولم يصبح عابرا للقارات والاجناس والثقافات. ومن كتبوا عن العولمة في اشد ابعادها سلبية قليل منهم من فطن الى ان ثقافة القطب الواحد المدجج بالمال والقوة احدثت فراغا في هذا الكوكب، او ان من انتجوا العنف كي يكون آداتهم التكتيكية فوجئوا بأنه اصبح عدوهم الاستراتيجي، وما حدث في افغانستان تجاوز المثال الى الأُمثولة ولا بد ان تكون هناك علاقة جدلية وليست ثنائية فقط بين ثقافة العقدين الاخيرين وبين ما حدث من فراغ اخلاقي وثقافي سعت الى ملئه موجات التطرف؛ لأنها اشبه بالفئران والافاعي التي تجتذبه الامكنة المهجورة والفارغة وتنأى عن الضجيج والأمكنة المأهولة !
ولكي لا تستمر حكاية الفيل والعميان المنهج السائد لتحليل ثقافة الموت لا بد لذوي الاختصاص ان يستعيدوا ادوارهم التي سرقها الهواة !!
الدستور 2017-11-27