خلل الأولويات في المشهد الفلسطيني

تم نشره السبت 02nd كانون الأوّل / ديسمبر 2017 01:23 صباحاً
خلل الأولويات في المشهد الفلسطيني
ياسر الزعاترة

ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وسياسات السلطة وبعض رموزها تتبدى عبثية المشهد الفلسطيني في هذه المرحلة الخطيرة.

في الضفة الغربية، لا شيء يتغير على أرض الواقع، فالاستيطان والتهويد يمضي على أشده، لكن الأكثر إثارة في المشهد يتمثل في أن كل منظومة الأمن التي وفّرتها السلطة وتوفرها للاحتلال (احتلال ديلوكس بتعبير الصهاينة)، لا تمنع مسلسل الاعتقالات اليومي الذي يتم بوتيرة تشبه وتيرة أيام الانتفاضة، هنا يدخل الغزاة ويداهمون ويعتقلون من دون أن يحرّك أمن السلطة أي ساكن.

لا حاجة للبحث في دوافع هذه الموجة الواسعة اليومية من الاعتقالات، فالغزاة يطاردون أي رائحة للمقاومة في الضفة، وبالطبع لأنهم يدركون حجم الغضب في الشارع الفلسطيني، والذي إذا انفجر سيخرّب عليهم فرصة استثمار حريق المنطقة في تحقيق ما عجزوا عنه بعد أوسلو، وبعد احتلال العراق.

بدورهم لم يتوقف قادة السلطة خلال الأسابيع الماضية عن تسريب أخبار الضغوط التي يتعرضون لها من أطراف عربية للتعاون مع خطة ترامب التي يسميها البعض “صفقة القرن”، وهي في جوهرها “الحل الإقليمي” الذي يترك واقع السلطة على حاله مع بعض التحسينات، يفتح الباب لتطبيع عربي واسع النطاق، الأمر الذي لن يوصف بأنه حل نهائي، وإن كان في جوهره كذلك.

المصيبة أن الحل المؤقت المشار إليه الذي ترفضه قيادة السلطة هو ذاته الذي تكرّسه منذ عام 2004 ولغاية الآن، حتى لو لم تعترف بذلك. ولولا سياستها تلك لما كان بوسع الصهاينة أن يتحدثوا عن الحل الذي يتحدثون عنه الآن، ولما كان بوسع العرب أن يضغطوا أصلا في هذا الاتجاه.

تجربة بائسة تمضي منذ العام 2004، عنوانها “الاحتلال الديلوكس”، مقابل تحسين ظروف العيش للسكان الفلسطينيين؛ ضمن حدود بالطبع، لا توقف الاعتقالات ولا تُخرج الأسرى، ولا تزيل جميع الحواجز، وإن كان الوضع أفضل من أيام انتفاضة الأقصى.

هياكل دولة يستمتع بها قادة السلطة، في ذات الوقت الذي يستمتعون فيه بالقول إنهم يتمسكون بالثوابت، واليوم بالقول إنهم يرفضون الضغوط الأمريكية العربية لتمرير الحل التصفوي إياه.

لا خلاف على أن رفض تمرير الحل الأخير هو موقف مقدر، لكن الإصرار على نقل التجربة البائسة في الضفة إلى قطاع غزة هو المصيبة الراهنة، مع تعطيل المصالحة رغم تقديم “حماس” لكل الاستحقاقات اللازمة لذلك.

يوميا يتحدث قادة السلطة عن سلاح المقاومة، ويوميا يتحدثون عن غياب ما باتوا يسمونه “التمكين”، أي سيطرة قيادة السلطة الكاملة على قطاع غزة، والنتيجة هي تعطيل المصالحة.

وهنا ينهض السؤال التقليدي، وهو كيف ستأمن حماس ومعها الجهاد لسلطة يردد قادتها يوميا حديث “السلاح الشرعي” الواحد، أي نقل معادلة التعاون الأمني في الضفة إلى غزة؟ هل سيسلمون رقابهم لقوم؛ رقابهم أصلا بيد المحتل، ولو أراد اعتقال أي أحد منهم لما منعه شيء، تماما كما يفعل برموز حماس، ومن بينهم أعضاء في المجلس التشريعي؟! المصيبة الأخرى التي شاركت فيها حماس هي الحديث عن انتخابات رئاسية وتشريعية نهاية العام القادم، ما يعيدنا إلى لعبة تكريس سلطة في خدمة الاحتلال، لن تتورط في المقاومة بطبيعة الحال. ولو فازت حماس لبقي الحصار، ولو فازت “فتح” لتواصل التيه الراهن.

قلنا مرارا إن “الانتخابات في ظل الاحتلال مهزلة، والحل هو إعادة تشكيل منظمة التحرير على أسس ديمقراطية في الداخل والشتات كمرجعية للشعب الفلسطيني، بينما تُدار السلطة في الضفة والقطاع بالتوافق، لكن الخيار المذكور لا يبدو مناسبا للقيادة في الضفة، فضلا عما يترتب عليه من مضي الشعب في خياره الطبيعي ممثلا في المقاومة.

إنه التيه ذاته الذي بدأ مع اتفاق أوسلو، ولا يدري أحد من ينتهي، لكن الثابت أن الشعب الفلسطيني سيتصدى لأي حل تصفوي، بانتظار مرحلة أخرى يلتحم فيها الجميع ضمن خيار المقاومة الذي يجعل الاحتلال مكلفا ويفرض عليه التراجع، بدل الذهاب بعيدا في الأحلام”

الدستور 2017-12-02



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات