عن اليمن وفلسطين والقدس واوسلو
1
فلسطين والقدس
يترقب الفلسطينيون والعرب والعالم هذه الأيام ، بعضهم بأعصاب باردة وآخرون ،بحرارة ، خطوة أمريكية قد تعلن خلال أيام وستكون الأكثر جرأة في تاريخ القضية الفلسطينية ، عندما ينفذ ترامب وعده للإسرائيليين بنقل سفارة واشنطن إلى القدس عملا بقانون أقره الكونجرس في العام 1995 ورفض الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون إنفاذه .
وسربت مصادر أمريكية أن ترامب ، قد يعدل عن قرار نقل السفارة مقابل إعلانه لفظيا القدس عاصمة لإسرائيل و إرجاء النقل لمدة ستة أشهر نتيجة ضغوط من الخارجية الأمريكية التي تخالف ترامب الرأي ودوائر القرار الأمني الأمريكي الذي يعي أبعاد ذلك من مختلف وجوهه .
و أيا كانت خيارات ترامب ، سواء هذه أو غيرها ، فإن النتيجة واحدة ، وهي أن الولايات المتحدة تبارك للإسرائيليين عاصمتهم " الأبدية "، وتتعامل معهم ومع العالمين العربي والإسلامي وفق ذلك ، وهذا يتبدى جليا في سياسات واشنطن تجاه المنطقة عموما وخضوع أهم عاصمة عالمية لمغامرات رجل أعمال لا يكاد يسمع - لا نقول يرى - من السياسة الدولية سوى هسهسة الدولارات .
الخطورة لا تكمن في هذه الخطوة بحد ذاتها بل بما تستتبعه من خطوات سياسية فهمت رسالتها من هكذا عنوان بغيض ، لأن قرارا كهذا ، بالإعلان عنه أو التعامل معه كأمر واقع ، يعني أن القدس لم يعد بالإمكان أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية بعيدة المنال، ويعني - ضمن ما يعني - أن أمل الفلسطينيين في دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية هو كأمل إبليس في الجنة .
فإذا كانت السياسة الإسرائيلية والأمريكية ترفضان بالمطلق الحديث عن مثل هكذا دولة ، فما بالكم بالحل النهائي الذي تتزعمه القدس ، وما بالكم بـ 150 مستوطنة صهيونية بالإضافة إلى أكثر من 120 بؤرة استيطانية تمهيدية ، وهذه الكيانات التي أقيمت على أغلبية أرض الضفة لم يعد بالإمكان لا إزالتها ولا حتى مجرد مبادلتها ولأسباب لها علاقة بالأمن " الإسرائيلي " والجغرافيا والديمغرافيا المصطنعة ،والأمر الواقع ، ناهيك عن وجود جدار يخترق القرى والمدن والبيوت ، مما يعني بأن أي "دويلة " فلسطينية مستقبلية ستكون مقطعة الأوصال وغير متصلة ومزدحمة بالأسلاك الشائكة والبوابات الألكترونية و" الزنانات " ناهيك عن الدبابات والألغام و " العملاء " ، بحيث سينتهي الأمر بالفلسطينيين وكأنهم جميعا في زنزانة انفرادية مكبرة ، والأهم بالنسبة لترامب ويمينه المتطرف أن سكانها " عر ب " ومن هنا أعلن نتنياهو مؤخرا : أن المنطقة ليست بحاجة إلى دولة إضافية في الشرق الأوسط " في معرض تعليقه عما يجري في دول الربيع العربي " .
وإذا كان لا بد من التشخيص أكثر ، فإن الذين أوصلوا القضية الفلسطينية إلى هذا الدرك من عدم الأولوية والإهتمام حتى إعلاميا ، هم الرسميون الفلسطينيون أنفسهم ، فها هم أرباب أوسلو الذين حولوا الشعب الفلسطيني من شعب ثائر مكافح نابض بالحياة إلى شعب ينتظر التعيينات والرواتب والمنح الدراسية من خلال التوصيات والواسطات والمحسوبيات : ها هم حائرون منسيون بلا أهمية دولية ، حيث فرزت أوسلو التي يقوم على تفيذها سلطة فتح الفلسطينيين بين خانتين : خانة الأسياد ، وهؤلاء هم المحظيون المنتفعون النفعيون وأبناؤهم وأقاربهم ، وخانة العبيد الذين يعيشون على الهامش وفي غياهب النسيان ، وهؤلاء هم أغلبية الشعب الفلسطيني الصابر .
إن إعلان ترامب المرتقب ،بمختلف خياراته التي ذكرناها ، سواء أشهره الأربعاء القادم أم عدل عن رأيه للأسباب التي ذكرناها أو بسبب متاعبه مع المحققين الذين جلبوا " فلين " ليشهد ضده - يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن اتفاق أوسلو كان اتفاق " فضيحة " لأن نصوصه التي وقعت عليها السلطة لا تتضمن أي كلمة عن أحقية الفلسطينيين بالقدس ، ولذلك ، فليس هناك ما يمنع ترامب من إعلانها عاصمة أبدية للكيان ، بل لا يوجد في نصوص الإتفاقية لا قضية اللاجئين ولا المياه ولا المستوطنات ولا الحدود ، بحيث كتبت بصيغة تخدم الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في إنهاء القضيةالفلسطينية ودفنها مع شعبها الذي يصل تعداده إلى 12 مليونا وفق آخر الإحصائيات " المفترضة " ، ومن يقول بغير ذلك ممن ووقعوا أو كانوا يدافعون عن هذه الإتفاقية فإن عليه أن ينظر إلى المرآة ليرى وجهه الأسود بعد حوالي ربع قرن من الخيبة والحصاد المر ، اللهم خلا تكرش البطون والجيوب وتكريس البشم والبطر لفئة محدودة تسيطر على القرار الفلسطيني في رام الله وفي غزة بدون انتخابات لا داخلية ولا خارجية منذ سنوات .
قلنا في أكثر من مقال : إنه لا أمل البتة في دولة فلسطينية ولأسباب كثيرة ، تضاف عليها كل يوم أسباب أخرى أنتجتها قضايا المنطقة وباتت أكثر إلحاحا ، وإذا كان هدف أعداء الأمة دفع فلسطينيي الشتات للذوبان حيث هم ، فإن على الفلسطينيين في الداخل ان يتهيأوا للطرد لتصبح حدود إسرائيل من النهر إلى البحر ، فالسادة في عرف الكاوبوي ومصاصي الدماء من شذاذ الآفاق يجلسون دائما في صدر المنزل ، أما الضغفاء البؤساء فإن مكانهم إلى جانب الأحذية .
هذا هو السيناريو المرتقب إذا لم يرعو الفلسطينيون والعرب بمسلميهم ومسيحييهم ويفهموا ما يطبخ لهم جميعا بليل شديد العتمة ، والبرد ، والقتامة .
سلطة أوسلو الآن في ورطة ، وهي بلا أمل البتة ، إلا الحضن الأمريكي بعد أن أحرقت كل سفنها ، وفلسطين اليوم تشبه غرناطة ،وشتان بين طارق بن زياد وأبو عبد الله الصغير .
2
اليمن : السؤال الذي يستحي خامنئي من طرحه ( أرشيف)
في ظل ما يجري في اليمن الآن ، ولأننا لن نجازف في أي قراءة سياسية ، بسبب تطورات الأحداث ساعة بساعة ، ورغم أن خامنئي خسر الهيبة ، وحرسه الثوري يتجرع السم النقيع ، ولأن حزب الله الذي يشرف على الميليشات في صعدة وغيرها يجرجر أذيال الخيبة ، فإننا نكتفي بإعادة نشر مقال عن اليمن نشرناه في هذا الموقع بتاريخ 31 مايو 2015 ، وتاليا نصه :
يدرك اليمنيون ، أن النداء الذي وجهه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للحوثيين ، للإنخراط في الحوار الوطني ، وسحب قواتهم من صنعاء والمدن اليمنية ، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ، والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ، لم يكن سوى صرخة في بئر ، ذلك أن هؤلاء اتخذوا قرارهم في الإنفصال المذهبي والمناطقي وتفتيت اليمن بقرار من إيران .
إيران التي أججت الفتنة في أكثر من عاصمة عربية ، وأعلن مسؤولوها أن صنعاء سقطت تحت هيمنتهم كعاصمة عربية رابعة بعد بيروت ودمشق وبغداد ، وجدت في التفجيرات الأولى لمساجد صنعاء قبل التدخل العربي فرصة مهمة للنفخ في بوق الطائفية دمويا هذه المرة ، بعد تسريب معلومات كشفها الرئيس اليمني فحواها أن الحوثيين تعهدوا للإيرانيين بقلب المذهب الزيدي إلى أثني عشري .
لقد كشفت " عاصفة الحزم " التي ردت على الإيرانيين وأذنابهم في صعدة وعلي عبد الله صالح بما يجب أن يكون عليه الرد ، هشاشة إيران وضعفها ، وكمثال بسيط على ذلك : ها هي سفينة المساعدات التي قال قادة الحرس الثوري إنها لن تخضع للتفتيش ، ها هي تفتش في جيبوتي قبل السماح لها بالمرور .
ولقد أضحكني تعليق مسؤولين إيرانيين تساءلوا عن هذه الطائرات العربية التي تقصف الحوثيين بينما لا تقصف إسرائيل وتحلق فوق غزة ، ، ليرد السؤال على هؤلاء بسؤال مقابل : أين طائرات إيران وصواريخها عندما كانت غزة تذبح على مدى خمسين يوما ، بينما حزب الله ، عميل إيران الأبرز يقف على الحدود ولم يطلق أي رصاصة ؟ ، بل إن السؤال الأكبر هو : أين وقفت إيران ضد إسرائيل ، وفي أي المواطن ؟ .
تظل الأعين مصوبة على اليمن ، وماذا سيكون عليه موقف الحوثيين وحلفائهم من تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 الذي صدر في الرابع عشر من نيسان الماضي ، ,وأبرز ما فيه شرعية الرئيس هادي وانسحاب الحوثيين من صنعاء والمدن والمواقع التي احتلوها وإعادة الأسلحة التي سرقوها من مستودعات الجيش بتسهيل من علي عبد الله صالح .
لقد منح التحالف الحوثيين وحلفاءهم فرصة ذهبية لم يحسنوا التقاطها ، عندما دُعوا إلى مؤتمر الرياض ، وعندما أعلن عن توقف "عاصفة الحزم " لصالح " إعادة الأمل " .
والذي يتابع إعلام الحوثيين وإعلام صالح يدرك الغباء السياسي الذي يحكم هؤلاء وأنصارهم ، وكيف أن هذه الميليشيا العقائدية لا ترى أبعد من أنوف قادتها وأنوف من صنعها في " قم " ، وبالتالي يدرك حجم " البلاء " الذي ابتلي به الشعب اليمني ، عندما انسلخت عصابة قليلة من المذهب الزيدي الذي يعتبر الأقرب لأهل السنة ، إلى المذهب " الأثني عشري " بنسخته الإيرانية ، والهادف إلى تصدير الثورة وتشييع العالم السني .
ولأن الحوثيين تعلموا من مدرسة حزب الله ، فإنهم هللوا وكبروا لما قاله حسن نصر الله الذي تساءل في تصريحاته الأخيرة عن أي هدف حققته عاصفة الحزم ، زاعما بأنها لم تحقق أي هدف ، متناسيا بأن الأسئلة يجب أن توجه لأوليائه في طهران وله شخصيا قبل أن توجه لعبد الملك الحوثي .
إن السؤال ليس : ماذا حققت عاصفة الحزم من أهداف ، بل هل استطاعت إيران تكريس الإنقلاب وابتلاع الدولة ؟ .
هذا هو السؤال الذي يستحي خامنئي من طرحه .
د. فطين البداد
جي بي سي نيوز
31 مايو 2015م