الغضب لا ينقذ القدس
تشعر بإحباط شديد ازاء موضوع مدينة القدس، اذ ان هذه المدينة، تتعرض الى تغييرات خطيرة جدا، منذ عام 1948، من اجل تغيير هويتها، وتحويلها الى مدينة اسرائيلية بالكامل، لكن الكل يتذكر القدس فقط، عند اعتراف واشنطن، بها عاصمة لاسرائيل، على الرغم من ان الواقع الجاري في المدينة، وسكوت الجميع عليه على مدى عقود، على مايجري، هو بمثابة اعتراف بكونها عاصمة لاسرائيل.
ردات الفعل السياسية والعاطفية، لاحتواء الغضب الشعبي، ردات لم تعد مناسبة، والسبب ان هذه الردات، دون الانتقاص من مغزاها، سبق ان تم اختبارها، ولم تؤد الى نتائج عميقة.
من جهة اخرى، فإن مستويات عدة لا تريد رد فعل دمويا، وباتت تتبنى رأيا يقول ان اي انتفاضة جديدة، غير مطلوبة، لان الفلسطينيين سوف يدفعون الثمن فرادى، ويضربون بالانتفاضة الاولى، والثانية، مثلين، للدلالة على صحة رأيهم.
هذا رأي يتطابق من جهة ثانية مع رأي الاسرائيليين الذي لايريدون انتفاضة، تربكهم امنيا واجتماعيا واقتصاديا في هذا التوقيت بالذات، الذي تبدو فيه اسرائيل مرتاحة.
ردات الفعل السياسية والشعبية غير مهمة، لدى الاميركان، والاسرائيليين، غير مهمة بشكل كلي وكبير، ومهمة بشكل جزئي، اذا كانت مدروسة ومؤثرة فقط، كما ان جهات عديدة تقيد انطلاق انتفاضة جديدة، لاعتبارات مختلفة، وكأننا امام حالة استعصاء كبيرة، لا نريد التركيز عليها، حتى لا تتحول الى حالة تحطيم للروح المعنوية.
كل ردود الفعل التي نراها، سبق ان رأيناها في ظروف شبيهة، ولم تؤد الى نتائج على ارض الواقع، وهذا مايجب ان يقال اليوم بشكل واضح وصريح.
السؤال الذي لا بد ان يتم توجيهه بشكل محدد، حول الذي يمنع العالمين العربي والاسلامي، وفيه عشرات الدول من اتخاذ اجراءات عملية وفعلية، بشأن هذا القرار، او حتى قبله، بدلا من انتظار صدور القرار، وتصديقه رسميا.
هذا هو اللافت للانتباه هنا، اذ ان بلورة المواقف المتأخرة، سياسيا، لن يؤدي الى اي نتيجة، وقد كانت هناك مؤشرات واضحة، على ان الرئيس الاميركي يتجه نحو هذا القرار، فلماذا تأتي ردود الفعل بعد القرار، وليس قبله، ولا احد يصدق ان القرار كان مفاجأة بالمعنى الحرفي؟.
الواضح ان المنطقة امام صفقة محتملة، اي المقايضة فقط على مساحة القدس، وحجم المدينة، وهذا هو العرض الوحيد المتاح من جانب واشنطن، خصوصا، حين يقول الرئيس الاميركي، وعدد من مسؤولي الادارة لاحقا، ان القدس احد ملفات الحل النهائي.
معنى الكلام ان مساحة القدس، كعاصمة اسرائيل، قد تتحدد في الحل النهائي، ولا احد يعرف ما إذا كان هذا الامر يعني منح جزء من المدينة، للفلسطينيين، تحت مسمى القدس الشرقية، او ان السيناريو الاسرائيلي للقدس الموحدة، هو الذي سوف يتم تطبيقه، ولا يحصل الفلسطينيون الا على حق العبادة في القدس، ويتم ايجاد حلول للجانب السكاني، في المدينة.
ما يقال هنا حصرا، اننا امام محنة، لكنها محنة تأتي كنتيجة لعقود متكاملة، من قبول الامر الواقع في فلسطين المحتلة، ولسنا امام محنة مفاجأة سببها رئيس اميركي متهور، والذين يريدون تصوير القصة، من زاوية وجود ادارة اميركية لا تحسب حسابا لاحد، يغشون بشكل واضح، ولا يريدون ان يعترفوا اننا امام فاتورة سبعة عقود من الاحتلال، وليس امام تحول مفاجئ وغادر من واشنطن.
اما القدس، فمن دون اجراءات عملية تتعلق بمصالح الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية في المنطقة، والتأثير عليها من العالمين العربي والاسلامي، عبر الدول والحكومات، فإنها بلا شك تذهب الى مصيرها، عاصمة لاسرائيل، وغير ذلك مجرد جدولة للاوهام.
الدستور 2017-12-10