مصير عباس أم ترامب أم النظام الدولي؟
في الوقت الذي كان الرئيس الفلسطيني يلقي فيه أمس خطاباً بالغ الحدة والمباشرة، في قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول، واصفاً الولايات المتحدة بأنها مُنشئة للإرهاب، وبأنها تتحمل مسؤولية تحويل الصراع إلى صراع ديني، كان الأميركيون (كما في البرامج التلفزيونية المتزامنة مع خطاب محمود عبّاس)، يتساءلون، هل أضعف دونالد ترامب الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل عزلها؟ وإن كان السؤال لسبب مختلف عن القدس. والواقع أنّ المشهد أمس بدا هل هذا خطاب نهاية لعباس وبالتالي لمرحلة سياسية فلسطينية؟ أم أنّ الكيل الأميركي والعالمي فاض ضد ترامب وسيواجهه قريبا في استقطاب دولي جديد؟ أم أنّ العالم سيستسلم له، وينقلب النظام الدولي على النحو الذي يريده؟
لقد أشار الملك عبدالله الثاني بطريقة مباشرة لحقيقة لا يرغب الأميركيون والإسرائيليون، وحتى جزء من العالم الاعتراف بها، وهي أن "أغلب ما يشهده العالم العربي والعالم من حولنا، من انتشار العنف والتطرف، هو نتيجة لغياب حل عادل للقضية الفلسطينية، وما ترتب على ذلك من ظلم وإحباط. وقد اتخذ المتطرفون من هذا الواقع المرير عنوانا لتبرير العنف والإرهاب، الذي يهدد الأمن والاستقرار في العالم أجمع". وهذه الإِشارة تصف تماماً معنى مسؤولية دول العالم بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي؛ التدخل لحفظ الأمن والسلام، وهو ما تخرقه وتهدده إسرائيل باستمرار احتلالها، ومخالفتها للقانون الدولي.
ربما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً واضحاً وهو يتهم إسرائيل بالإرهاب، ولكن الرئيس الفلسطيني ذهب حدّ اتهام الولايات المتحدة الأميركية بأنّها مَنْشأ للإرهاب، وحد التلويح بالاستفادة من أنظمة الأمم المتحدة التي تسمح برفع شكوى ضد دولة ما في مجلس الأمن، فيصبح من غير المسموح لهذه الدولة بالتصويت، ما يبطل حق النقض "الفيتو"، الذي تمتلكه واشنطن، ولوح بالذهاب المتكرر لطلب عضوية فلسطين في مجلس الأمن، ما سيحرج الأميركيين للاستخدام المتكرر للفيتو، فضلا عن تأكيده رفض الدور الأميركي سياسياً.
في الأثناء كانت شبكات تلفاز أميركية، تسأل سياسيين عن مغزى غياب الولايات المتحدة، عن قمة باريس للمناخ التي عقدت الثلاثاء، والتي رفضها ترامب، وردت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت، أنّ ما يفعله ترامب يضعف الولايات المتحدة. ووافقت على ما قالته مذيعة CNN أنّ ترامب يبعد واشنطن عن قيادة العالم، ورأت أن الصين تستغل هذا الابتعاد. وانتقدت كيف يُضعِف ترامب وزارة الخارجية الأميركية، بتقليص ميزانياتها، وكيف أنّ وزارة الدفاع الأميركية تقول إن إضعاف الدبلوماسية الأميركية يزيد الأخطار، ويتطلب المزيد من الأموال لتوفير الأمن. وهذا ما تطرقت له نيويورك تايمز، التي نشرت تفاصيل اجتماع متوتر بين وزير الخارجية ريكس تيلرسون وموظفي وزارته، الذين يحتجون على إبعادهم عن صنع السياسة الخارجية والدبلوماسية، وبحسب الصحيفة يتضح أن تيلرسون كان اعتذارياً، يؤكد جهله بتفاصيل الوزارة قبل قدومه، وأشارت أنّه قد يتم استبداله قريباً، بمدير الاستخبارات الأميركية ميك بومبيو، الذي يعتبر من أشد مؤيدي الرئيس في سياساته الصاخبة.
من الطبيعي أن يتساءل كثيرون الآن هل سيؤدي خطاب عباس لتأليب واشنطن ضده على نحو شبيه بما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات؟، ويعطي ضوءا أخضر للإسرائيليين للتخلص منه؟. بطبيعة الحال فإنّ الفيصل ربما يكون بمدى ما سيطبقه عباس مما في خطابه، وبمدى ما سيؤمّن العرب والعالم للفلسطينيين من دعم.
في الأثناء هناك أيضاً سؤال؛ هل سيصبر الأميركيون والعالم أكثر وهم يرون سياسات ترامب أم يمكن احتواؤه أو حتى إبعاده؟
إذا طبق الرئيس الفلسطيني ما قاله في خطابه فهو سيسهم ويستفيد في الوقت ذاته من الموقف الدولي الرافض لسياسات ترامب التي تدمر القانون الدولي والمنظمات العالمية وتمس قضايا كونية حيوية مثل المناخ. وبالتالي تصبح القضية الفلسطينية جزءا من استقطاب دولي كبير مقبل. أما تراجع العالم واستمرار تقدم ترامب فيؤدي لخلط كبير للأوراق في القضية الفلسطينية، كما في النظام الدولي، لكنه بكل تأكيد لن يُصفّي هذه القضية الفلسطينية التي كسبت زخماً هائلا في الأيام الفائتة.
الغد 2017-12-14