استدراجات إسرائيلية
في قصة القدس، وخطاب ترمب باعلانها عاصمة لاسرائيل، هناك حالة اختطاف للوعي العام العربي والاسلامي، وبرغم ان الاكثرية تدرك الحقيقة، الا ان هناك اعادة تحويل لبوصلة الرأي العام.
اختطاف الوعي، يجري عبر عملية استدراج اسرائيلية متواصلة خلال عقود، فاليوم يثور الغضب على اعتبار القدس عاصمة لاسرائيل، ولايتحدث كثيرون عن وجود اسرائيل ذاتها، وكأن الخلاف فقط على موقع العاصمة، فيما الاحتلال ليس هو المشكلة، وكأن الوعي العام العربي والاسلامي، انطبع بما تريده جهات كثيرة، حول ان لا احد يناقش شرعية اسرائيل ذاتها بل شرعية العاصمة وموقعها.
الاستدراج الثاني، يجري سياسيا وشعبيا، عبر الحديث عن القدس الشرقية عاصمة الفلسطينيين، وفي هذا اقرار ضمني، بكون القدس الغربية عاصمة لاسرائيل، وان هذا الامر بات مقبولا ولا مشكلة فيه، مادامت القدس الشرقية مؤهلة لان تكون عاصمة لفلسطين، وبرغم ان كثرة تتورط في هذه الاستدارجات بحسن نية، او تحت عنوان ان هذا هو المتاح، الا ان هذا لايلغي الحقيقة الاساس.
لو عددنا الاستدراجات الاسرائيلية لوجدناها كثيرة، من بينها ان لااحد يناقش اليوم، الذي يجري لحيفا ويافا ومدن البحر، باعتبار ان تلك مناطق بعيدة، وباتت اسرائيلية، بل ان كل التركيز ينصب على مدن الضفة الغربية وغزة والقدس، وكأن الوعي العام، من حيث الاهتمام، اعيد ترسيمه وفقا لاتفاقات اوسلو، بوعي او دون وعي، وقد ثبت بعد هذه السنين، ان قبول العرب والمسلمين، بالتجزئة في القضية الفلسطينية، أدى الى كوارث حقيقية نراها ماثلة اليوم.
لا يمكن لهؤلاء ان يقبلوا بعد كل تنازل، الا تنازلا جديدا، وهذا ما حذر منه كثيرون، في تواقيت مختلفة، الا ان قلة بشرت بجدوى كل عملية السلام، وها نحن نرى ماقيل مرارا، ان هذه مجرد عملية، تمنح اسرائيل الامن والامان والوقت، لاكمال مشروعها في كل فلسطين المحتلة تاريخيا.
لابد من اعادة التذكير هنا، ان فلسطين كل فلسطين، ارض عربية، وان القدس كل القدس مدينة عربية واسلامية، وان استدراج المنطقة نحو ترسيم الحقوق، وخفض مستواها ومساحاتها، يؤدي الى نتائج لايمكن احتمالها، ومانراه اليوم، يثبت هذا الكلام.
ذات اسرائيل قامت بتقسيم الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين، الى عدة مجموعات، وجعلت لكل مجموعة قضية فرعية مختلفة، عن القضية الاساس، اي القضية الفلسطينية، او على الاقل مشتقة منها، ولها سماتها الخاصة بها، ومانراه من تقسيم جغرافي لفلسطيني 48 وتورطنا بذات المصطلح، وغزة واهلها، والضفة الغربية واهلها، والقدس واهلها، سياق يريد تقطيع اوصال الترابطات، وانتاج قضايا فرعية لكل مجموعة، مختلفة عن بقية المجموعات، وان كانت تتشابه في بعض العناوين.
الحرب الاسرائيلية، ليست مجرد حرب عسكرية، هناك حرب على الوعي السياسي، للجمهور، وعلينا ان نعيد التذكير بالثوابت، والتنبه الى ان مبدأ التطابق مع مايضخه الاعلام الدولي، وتصريحات السياسيين في العالم، والذي يؤدي الى تغييب عناوين محددة، لصالح عناوين مستحدثة، هو امر خطير جدا، ليس ادل عليه من تورط كثيرين، بأبداء الغضب على كون القدس موقع عاصمة اسرائيل، وكأن الغضب يقول ضمنيا بهذه الطريقة، ان لا مشكلة لو كانت العاصمة في حيفا او النقب، والامر ينطبق على بقية العناوين والتفاصيل والقضايا.
الدستور 2017-12-16