الحل الوحيد لكل شيء..!
فلنتخيَّل فقط، لو أنَّ قِمة عربية عُقدت الآن لاتخاذ قرارات جوهرية مخلصة لحل مشاكل العرب –وأقول "العرب" لأنّ الكلمة مُدمجة بنيوياً في التعريف: "قمة عربية"، واتخذت قرارات من نوع الآتي:
• البناء على ما هو موجود أصلاً من مقومات "الأمة" على المستوى الشعبي: اللغة والتاريخ والمصالح والعواطف المشتركة، لتأسيس جبهة عريضة بتوجه وخطة مشتركين، بالاعتماد على الإمكانات الذاتية للعرب.
• الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي وبقية التكتلات العالمية، من حيث تأسيس حلف عسكري عربي، و"شينغن" عربي، وكتلة اقتصادية وبرلمان عربي موحد، مع احتفاظ أصحاب الساسة بكراسيهم.
• الكف عن استخدام مصطلح "العالم الإسلامي" والعودة إلى التعريف الأضيق/ الأوسع: "العالم العربي"، أولاً: للتخلص من وهم التماهي غير الموجود أصلاً مع المسلمين الآخرين من أصحاب الثقافات واللغات والمصالح المختلفة، مثل الباكستانيين والكازاخيين والإندونيسيين؛ وثانياً من أجل اشتمال كل العرب الأقحاح من مواطنينا المسيحيين والسنة والشيعة وأعضاء الأديان والطوائف والأعراق الأصغر الناطقين بالعربية والذين يشكلون جزءاً طبيعياً من الثقافة العربية.
• إلزام كل الأقطار العربية بتنفيذ القرارات التي تُتخذ في الاجتماعات الدورية للتكتل العربي بالأغلبية، والمواقف التي يتم الاتفاق عليها لمواجهة أي تطورات تواجه الكيانات القطرية العربية مفردة أو مجتمعة (على سبيل المثال، قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان).
التفاصيل كثيرة، بطبيعة الحال، وخطوطها العامة يعرفها رجل الشارع في أي ركن في العالم العربي. كما أن مسوغات مشروع "الوحدة العربية" والدعوات إليه موجودة منذ زمن طويل. وأسُسها العملية والعاطفية حاضرة ومقنعة، بدءاً من تشجيع كل عربي –غريزياً- كل منتخب كرة قدم عربي، وانتهاء بإدراك المزايا من كل الأنواع التي تترتب على ضمّ الإمكانيات العربية، والتي لخصتها عدة تقارير، بالأرقام. ومنها، مثلاً، أن "إجمالي الناتج القومي المحلي سيكون 5 تريليون و990 مليار دولار سنوياً؛ وأن الجيش العربي سيتكون من 4 ملايين جندي، 9 آلاف طائرة حربية، 4 آلاف طائرة هليوكبتر، 19 ألف دبابة، 51 ألف سيارة حربية".
لو حدث ذلك –وهذه "اللو" لن تكون من عمل الشيطان غالباً- فإنه كفيل بحل معظم المشاكل التي نصِفها اليوم. لن تكون هناك قسمة "سني-شيعي" على اعتبار أن إيران مثلاً تشكل التهديد الأول. ولن تستطيع إيران، ولا تركيا ولا أي قوة إقليمية أن تفكر في استعداء كيان مثل وطن عربي متكامل. وبطبيعة الحال، لن تقدِم إدارة أميركية –مهما كان رئيسها مجنوناً- على إغضاب العرب بشيء مثل الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان. وستكون مشكلة فلسطين من الأساس قابلة للحل، على أساس شروط يفرضها العرب على أميركا وغيرها، من باب حفظ المصالح. ولن يتنمر الكيان ولا غيره على أربعة ملايين جندي وتسعة آلاف طائرة وما إلى ذلك، ولن يكون العرب مضطرين أصلاً إلى التذلل للعدو وتبرير التحالف معه لحماية رؤوسهم كما يحدث الآن، ومئات المتغيرات الأخرى.
سوف يبدو هذا الطرح مضحكاً للذين فقدوا أي إيمان بعربٍ ووحدة –غالباً بدافع اليأس من تحقق الإمكانية بسبب عناد وصاة التفتيت من الحكام المحليين، أو شراسة القوى التي تستشعر الآثار المحتملة لتحقق هذه الإمكانية على مصالحها وهيمنتها على منطقتنا. ولكن، أين البدائل الصالحة لهذا الاقتراح؟ هل هي التقسيمة الحالية على أساس طائفي وقُطري وفئوي وديني؟ هل هي مواصلة التبعية لأي نبيٍّ خارجي أو حارسٍ شخصي يتقاضى أجرة حماية الأنظمة من عرق الشعوب العربية؟ هل هو الزعم غير الواقعي بأنه ليس هناك شيء اسمه عرب، من دون اقتراح أي هوية بديلة صالحة سوى الفئويات التقسيمية المسببة للعداء والحروب الأهلية؟
من المؤكد أن تحقق شرط إدراك المصلحة في التكتل، والانسجام مع القسمة العالمية القائمة موضوعياً على القوميات، تتطلب وجود أنظمة ديمقراطية تستشعر نبض شعوبها وتعمل لمصلحة الشعوب، وهو الشرط الغائب عن الخبرة العربية. لكن فكرة ضم الإمكانات العربية بشكل ما، ستظل تتمتع بالصلاحية المنطقية والموضوعية باعتبارها الحل النهائي الوحيد المعقول: سواءً لجهة تحرير فلسطين، أو التخلص من هيمنة الأجانب وعبثهم بموارد وكرامة المنطقة وأرواح مواطنيها، أو حل المشاكل الاقتصادية لمواطني المنطقة، أو تخفيف التناقض بين الأنظمة والشعوب، أو ذهاب أسباب الخوف من أي طامعين إقليميين وتخويف الناس بهم.
الغد 2017-12-17