صنع في الأردن
الصناعات الأردنية التي تسهم بما يزيد على 25 % من الناتج القومي، وتوفر ربع مليون فرصة عمل، لها القدرة على رفع معدلات النمو الاقتصادي ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد. المشكلة التي تحول دون الوصول إلى هذا الهدف الذي يبدو للجميع واضحا وممكنا يتمثل في الأزمة التي تعيشها الصناعات الوطنية وتكرار فشل التدخلات الحكومية والأهلية في إيجاد خطة وطنية شاملة تشخص الواقع وتحدد المشكلات وتضع الحلول وتعمل على تنفيذها.
في مقدمة التحديات التي تحد من فرص حدوث نهضة صناعية طال انتظارها تندرج مشكلات ارتفاع أسعار الطاقة وضعف إنتاجية العامل وسرعة تبدل سياسات استقدام العمالة وتذبذب سياسات الاستيراد والتصدير وضعف مستوى الحماية وتدني إقبال المستهلك على السلع المنتجة محليا.
لم تنجح عشرات الاجتماعات التي عقدها الصناعيون مع الحكومات الأردنية المتعاقبة في تذليل العقبات التي كانت وراء خروج عشرات الصناعات من السوق واستمرار معاناة المئات منها من المشكلات التي تهدد مستقبلها وتقلق العاملين فيها على مصير وظائفهم. الفشل في حل مشكلات الصناعة وتجاهل النظر لها باعتبارها مدخلا للنهضة والتحول الاقتصادي الذي يتطلع له المواطن والدولة ويحتاج له الاقتصاد كان أحد الأسباب الرئيسة في تفشي حالة التذمر وتباطؤ الصناعات في الوصول إلى الأسواق العربية والعالمية المتاحة.
الاتفاقيات التي وقّع عليها الأردن والتقدير والتعاطف العالمي مع الأردن وفّر لصادراتنا أسواقا يزيد عدد مستهلكيها على مليار نسمة كما منح المنتجات الأردنية مكانة تفضيلية وتسهيلات إضافية في شروط وقواعد المنشأ، ومع ذلك فلم تفلح مساعينا في الإفادة من هذه التسهيلات بالرغم من الجهود التي قامت بها الدولة لإنشاء عدد من المناطق والمدن الصناعية.
الانطلاقة المبكرة لبعض الصناعات التحويلية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الماضي جعل منها الخيار الأول للمستهلك الأردني قبل نمو التجارة العالمية وتوسع دائرة التبادل التجاري مع العديد من دول العالم من داخل وخارج المحيط العربي. خلال أكثر من ثلاثة عقود تطورت بين الأردنيين ومنتجات مصانعهم علاقة حميمة حالت دون أن يتوجه المستهلك الأردني لغير السلع والمنتجات الغذائية والدوائية والملبوسات والجلود والأدوات المنزلية الأردنية.
الزيادة السكانية الناجمة عن توالي الهجرات واعتماد الدولة لسياسة الحماية الإغلاقية ووضع بعض القيود على الاستيراد وإنتاج سلع بجودة عالية كانت بعضا من العوامل التي دفعت بالمستثمرين وأصحاب الورش الحرفية الى تطويرها لتصبح مصانع قادرة على تلبية حاجة السوق وربط منتجات مصانعهم بحاجات وذائقة المستهلك. خلال فترة الستينيات ازدهرت في البلاد صناعة الجلود والأقمشة والخيوط والبطاريات والمشروبات الغازية ومصانع لإنتاج الأغذية والأدوية. وانتشرت ورش تصنيع الاثاث والعبوات والانابيب وغيرها.
الصناعات الوطنية تعاني اليوم من ضعف في إقبال المستهلك الأردني عليها وتفضيله للمنتجات المنافسة. الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة عديدة ولا تقف عند ارتفاع الأسعار ومستوى الجودة وغياب السياسات التسويقية الرشيدة.
في الحملة التي أطلقتها غرفة الصناعة الأردنية وبالتعاون مع نقابة الصحفيين والجسم الإعلامي الكثير من الأفكار لكنها تحتاج إلى التنسيق والأدوات فهي تقوم على افتراض أن المستهلك لا يعرف بالمنتجات وقد يكون ذلك صحيحا لكنها لا تشتمل على مشروع للتعرف على مشاكل ونقاط ضعف المنتجات المحلية والمشكلات الناجمة عن غياب استراتيجيات تسويقية تهدف إلى بناء الثقة بالمنتج وإرضاء الزبائن وغيرها من الأساليب التي تعتمدها الصناعات المنافسة.
حملة صنع في الأردن فكرة جميلة بأهداف وطنية سامية لكنها ما تزال بحاجة إلى رؤية وبيانات وبرنامج ومنهج ودعم يمكنها من أن تحقق رسالتها النبيلة.
الغد 2017-12-17