"ضجيج" الانتفاضة

تم نشره الثلاثاء 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2017 01:10 صباحاً
"ضجيج" الانتفاضة
عيسى الشعيبي

غداة الإعلان الأميركي عن القدس كعاصمة لإسرائيل، عاد الحديث عن الانتفاضة الثالثة يتصدر واجهة المناقشات والتمنيات والاجتهادات، داخل فلسطين وخارجها، وسط ما يشبه الإجماع على أن هذا الإعلان قد شكل رافعة موضوعية، لاستعادة زمام المبادرة، وخلق داينامية جديدة، تفضي إلى رد الاعتبار للعامل الذاتي كعنصر أساسي محرك للأحداث، عبر سلسلة من الفعاليات الشعبية المدارة على نحو مركزي، ومن ثمة مراكمة مظاهر التمرد الشعبي بمختلف الاشكال، على طريق تصعيد المواجهات مع الاحتلال، وصولاً إلى الانتفاضة التي طال انتظارها.
ولعل المجابهات المتواصلة منذ نحو أسبوعين، والاحتكاكات المتفرقة في القدس وعلى الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، ناهيك عن الشريط الشائك حول قطاع غزة، كانت عصافير النونو الأولى المبشرة بربيع الانتفاضة المنشودة التي ستبتكر، بالضرورة، ادواتها وخطابها واساليبها المغايرة لما كان عليه الحال في الانتفاضتين السابقتين الحافلتين بالدروس والعبر المستخلصة من واقع التجربة الذاتية المكتسبة، لا سيما درس تجنب اللعب في ملعب القوة العسكرية المفضلة لدى قوة احتلال متوحشة، لا تتورع عن إطلاق النار بخفة وسادية ورعونة مفرطة.
وأحسب أن المبادرة الكفاحية المبتكرة كإبداع جديد يذكّر بفرادة الحجر كأداة نضالية غير مسبوقة في الانتفاضة الاولى، قد أتت هذه المرة من ميدان المنارة في رام الله، من خلال المشهد المنقول بعد ظهر يوم السبت الماضي عبر البث التلفزيوني المباشر، وهو ما بدا لي غير مفهوم للوهلة الاولى، حين وقع نظري على صورة يحتشد فيها اكثر من  300 رجل وامرأة، يرقصون ويغنون ويهتفون معاً، دون أن يتولى مراسل او مذيع شرح ماهية الفاعلية او مغزى هذه الوقفة الجماهيرية المحدودة، وما إذا كان لها صلة ما بالحراك الاحتجاجي ضد دونالد ترامب.
كان على الفضولي الذي سره المشهد الباذخ كثيراً، بما تخلله من إغانٍ وطنية ودبكات وتعبيرات فلكلورية (كان فيها صوت النساء أعلى وأرق وأعذب) أن ينتظر حتى مساء ذلك النهار كي يعرف أن ما جرى على ميدان المنارة، كان مظهراً من مظاهر الحراك الشعبي المنظم من جانب قوى المجتمع المدني، تعبيراً عن انخراط قطاعات جديدة، في ما يبدو أنه مقدمات أولية لانتفاضة مرجوة، قطاعات لا تقدر على رمي الحجارة او إشعال الاطارات والاحتكاك مع نقاط التفتيش، لكنها ترغب في المشاركة، وأداء الواجب الوطني، وفق قدراتها الذاتية.  وبحسب تقرير صحافية مختلفة، وروايات قادمين من عين المكان، اتضح أن تلك الفعالية غير العفوية قد جرى تنظيمها تحت مسمى "ضجيج" وأنها انطلقت بتنسيق مسبق، وفي وقت متزامن، مع مثيلات لها في العديد من مدن الضفة الغربية، الى جانب فعاليات مشابهة في غزة وتركيا وكندا وفرنسا والمانيا وسويسرا ولبنان والمغرب وتونس والجزائر، استخدم فيها المشاركون قرع الطبول، وأواني الطبخ المنزلية، والصافرات والعزف على الشبابة، فضلاً عن الاغاني والاناشيد، وكل ما يمكنه ان يحدث ضجيجاً يعلو على صوت دونالد ترامب، ويحتج عليه.
اذن نحن أمام اداة كفاحية مبتكرة قد تتحول الى شكل نضالي جديد، وغير مسبوق ايضاً، على نحو ما آل اليه الحجر في الانتفاضة الاولى، يتسع إطارها الى مشاركات شعبية أوسع نطاقاً هذه المرة، وإلى دخول فئات اجتماعية جديدة لساحة المقاومة المدنية، في مقدورها كسر الصمت الثقيل، وصنع الضجيج المسيّس، واعلاء الصوت المطالب بالحرية والاستقلال، واشهاد العالم على ان هناك شعباً يُنكّل به، تصادر حقوقه وتسلب اراضيه، ويفترى عليه، وها هو يرفض قرار ترامب، ويقول بملء فيه؛ كفى للصمت إزاء كل هذه العربدة الاسرائيلية. 
إذا كان لمثل هذه الاداة الكفاحية ان تعم وتنتشر اكثر فأكثر، لتغدو الشكل النضالي الإبداعي المعتمد في المستقبل القريب، فإن الانتفاضة الثالثة المرتقبة، تصبح والحالة هذه أمراً قريب المنال وممكنة فعلاً، انتفاضة تمتلك صوتاً مختلفاً، وجماهير اوسع، واشكال مقاومة حضارية اكثر قابلية للفهم والتفهم من جانب المجتمع الدولي، الذي لا يتفاعل مع ما يسميه مظاهر عنف، ولا يتجاوب جيداً مع صور الإطارات المشتعلة، فيما يمكن لهذا "الضجيج" الواعي أن يتواصل دون تكلفة بشرية جسيمة وخسائر مادية فادحة، وما على العالم العربي إلا أن يتفاعل أكثر مع هذه المشاهد المثيرة للخيال.

الغد 2017-12-19



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات