«فتح»في اختبار الانتفاضة الجديدة
أكثر من بيان لحركة فتح خلال الأيام الماضية دعا إلى تصعيد المواجهات مع الاحتلال ردا على جريمة ترامب بحق مدينة القدس، وجاءت تصريحات نائب رئيس الحركة محمود العالول، كنبرة جديدة استفزت الصهاينة، إذ أكد على أن اتفاق أوسلو “انتهى”، وأن من حق الفلسطينيين “ممارسة كل أشكال المقاومة”؛ ما عرّضه لتهديد شخصي من قبل منسق شؤون حكومة الاحتلال في الضفة الغربية “يؤاف مردخاي”.
لماذا نركز في هذه السطور على حركة “فتح” تحديدا، مع أن مسؤولية تصعيد الانتفاضة تقع على عاتق الجميع في الساحة الفلسطينية؟
أولا: لأن كل القوى أعلنت مواقفها دون مواربة انحيازا لتصعيد الانتفاضة الجديدة، وثانيا، وهو الأهم: لأن “فتح” هي القوة التي بقيت متماسكة في الضفة الغربية قياسا بالآخرين، وفي مقدمتهم “حماس” التي تعرّضت خلال الأعوام الأخيرة إلى ضربات رهيبة متتالية؛ إن كان من قبل السلطة ذاتها بعد الحسم العسكري في قطاع غزة صيف العام 2007، أم بيد الاحتلال الذي لم يمنح الحركة أية فرصة للملمة أوراقها، إذ يطاردها بالاعتقالات اليومية، حتى أن أكثر رموزها لا يكادون يخرجون من السجون حتى تتم إعادتهم إليها من جديد.
هي تقريبا ذات المعادلة التي كانت قائمة عشية اندلاع انتفاضة الأقصى بعد عودة عرفات رحمه الله من قمة كامب ديفيد 2000؛ يائسا من مسار أوسلو، حيث كانت “فتح” تعيش وضعا جيدا بعد سنوات من إمساكها بالسلطة، في حين كانت حماس مطاردة من الطرفين (السلطة والاحتلال). ونتحدث هنا بالطبع عن الوضع التنظيمي، وليس الشعبي، لأن المطارّد من قبل الاحتلال قد يحصل على شعبية أفضل.
اليوم، يُجمع الشعب الفلسطيني بكل قواه، على أن لا رد على جريمة ترامب، ومعها فشل مسار التفاوض الطويل، وعجزه عن وقف الاستيطان والتهويد، فضلا عن تحقيق أي أفق سياسي، سوى انتفاضة جديدة، وضمن هذا السياق كان كلام عباس في اسطنبول عن عدم إمكانية البقاء “كسلطة بلا سلطة، وكاحتلال بلا كلفة”.
لكل ما سلف، تبدو المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق حركة “فتح”، ليس في تصدر موجة التصعيد وحسب، بل في تنسيق المواقف مع كل القوى من أجل التوحد في الميدان، وبناء استراتيجية فاعلة في مواجهة الاحتلال.
صحيح أن “فتح” عرفات، وربما الأجهزة الأمنية التي كانت قائمة في العام 2000، تختلف عن هذه القائمة، والتي أنشأها الجنرال “دايتون” وفق عقيدة مختلفة؛ لكن الشعب الفلسطيني يبقى هو ذاته، كما أن كوادر فتح، ليسوا هم الأجهزة الأمنية فحسب، بل هناك آخرون كثر لم يتورطوا في منافع السلطة، ولا في برنامجها الأمني المعروف. وهم جزء لا يتجزأ من شعبهم الذي يقف اليوم في مواجهة مؤامرة كبرى لتصفية قضيته.
المطلوب اليوم أن يتجاوز قادة فتح الكبار، بل حتى القادة الميدانيين حساسيات المرحلة السابقة (إكمال المصالحة في غزة قضية ينبغي أن تكون محسومة)، ويشرعوا في التنسيق مع إخوانهم من كل القوى من أجل رفع مستوى التصعيد، وجعل الاحتلال مكلفا، وإذا لم تفعل القيادة العليا ذلك لحسابات معينة، فعليهم أن يفرضوا عليها ذلك، بل يمكن أن يُصار إلى تجاوزها أيضا؛ انحيازا للشعب الذي يمكن أن يفرض إرادته على الجميع.
هي مرحلة بالغة الدقة، ولا مجال لتقديم الفصائلية على القضية الوطنية الكبرى، بل إن ميدان المواجهة مع العدو هو الذي ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، ولكن بعيدا عن أية ممارسات تصبّ في خدمة العدو.
هذا شعب أصبحت له خبراته الطويلة في ميدان المقاومة والانتفاضات المتواصلة، ولا بد من ترجمة هذه الخبرة في هذه المرحلة الأهم، عبر رفع شعار لا مجال للمساومة عليه، وتعترف به كل القرارات الدولية، عنوانه دحر الاحتلال دون قيد أو شرط عن الأراضي المحتلة عام 67 (نكرر: دون أي شرط يقيّد الشعب ويمنعه من تحرير ما تبقى من أرضه).
الدستور 2017-12-19