تذكير ضروري بعد صفعة الأمم المتحدة لترامب
في غمرة الاحتفال بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار ترامب، وما سبقه من إنجازات دبلوماسية تنحاز للحق الفلسطيني، لا بد من وقفة ضرورية لوضع تلك الإنجازات في مكانها الطبيعي، بعيدا عن التهويل حتى لا تأخذنا بعيدا عن المسار الوحيد الذي يمكن أن يحمل القضية الفلسطينية نحو أفق آخر.
في سياق القرار الأخير، لا بد من القول إنه فضلا عن أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة، ولا ينبني عليها شيء عملي، فإن القرار الأخير لم يحسم قضية القدس على نحو لافت، ويبدو أن المساومات وضعته في إطار ضيق، إذ تحدث عن أن قضية القدس هي من قضايا مفاوضات الحل النهائي التي تُحسم في المفاوضات، أي أنه يعيد القضية إلى ذات التيه التقليدي المسمى مفاوضات، وهي التي لم تسفر عن أي نتيجة في يوم من الأيام، ونتذكر هنا تلك التنازلات التي كشفت عنها وثائق التفاوض مع أولمرت وليفني قبل عقد من الآن، وفي ملف القدس تحديدا، ولم تشبع شهية الغزاة. في تلك المفاوضات قال صائب عريقات: “اليوم أعرض عليك أكبر “أورشليم” في التاريخ اليهودي، فردت بصلف أن “القدس خارج المفاوضات”.
ما ينبغي أن نتذكره أيضا في هذا السياق هو أن هناك قرارات دولية معروفة مثل قرار 242، و338، وقرار 194 الخاص باللاجئين، وهي أكثر قوة من القرار الذي تابعناه الخميس الماضي، ولم تغير في واقع الاحتلال شيئا، بل لم تغير في سياسات التهويد والاستيطان والضمْ.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك قرارا بالغ الأهمية صدر في 9 تموز/ يوليو 2004 عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، يرفض الجدار الأمني، ويؤكد على أنه يلتهم الأراضي المحتلة، واعتبره خبراء أقوى من قرار 242، لكنه في النهاية لم يغير شيئا في واقع الاحتلال.
لذلك كله، فإن ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن الاستنتاج الأبرز الذي ينبغي أن يأخذه المعنيون من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة هو ذلك الذي يتعلق بانحياز الرأي العالم العالمي لعدالة القضية الفلسطينية، ولكن ذلك لن يُترجم على أرض الواقع من دون انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية.
أي أن الدرس الذي ينبغي أن يأخذه المعنيون مما جرى هو أن انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية ترفع شعار دحر الاحتلال دون قيد أو شرط، عن كامل الأراضي المحتلة عام 67، يمكن أن تحظى بتأييد من أكثر دول العالم، فضلا عن الرأي العالم العالمي برمته.
والحال أن شعوب العالم إنما تحترم من يقاوم، وليس من يستسلم لشروط عدوه، لا سيما حين تكون قضيته عادلة، والشعب الفلسطيني هو الأولى بذلك من دون شك. ونتذكر هنا ونذكّر بقضية مهمة. ففي عام 2002، وفي ذروة العمليات الاستشهادية إبان انتفاضة الأقصى، أجرى الاتحاد الأوروبي استطلاعا للرأي لشعوب القارة حول الدولة الأخطر على السلام العالمي، فكانت النتيجة قول 59 في المئة منهم إنها “إسرائيل”، وتلتها بذات النسبة الولايات المتحدة، وطبعا لأنها تدعم الاحتلال، فضلا عن “إمبرياليتها” المعروفة.
المصيبة هي أن يرى البعض في قرار الأمم المتحدة وما يشبهه من إنجازات دبلوماسية لعبة تخدير للشعب الفلسطيني، ودفعا في اتجاه تكريس حالة التيه القديمة، وليس محطة باتجاه بناء استراتيجية مقاومة فاعلة تجعل وجود الاحتلال أكثر كلفة من بقائه. أما الذي لا يقل سوءا، فهو العودة من جديد إلى حكايات ترامب و”صفقة القرن”، وما شابه من ألعاب تدفع باتجاهها بعض الأطراف التي لا تريد أن ترى حقيقة الموقف الأمريكي وضعفه وعزلته، فضلا عن نواياه إدامة الصراع في المنطقة لحساب مصالحه ومصالح الكيان في آن.
الدستور 2017-12-26