عهد وأبو عاهد
مراكش/ النبي صالح وكوبر/ منذر- عايدة- بيت لحم/ عمّان – بيروت – القاهرة/ دحيّة ثورية.
كنت في العام 2012، في زيارة علمية للمغرب، وفي الخِتام قرر المنظمون إعطاء المشاركين يوماً حراً للسياحة، في مراكش. خرجتُ صباحاً من الفندق سائراً، فمررت بفتيات مَغربيات محجبات، يَقُدنَ دراجاتٍ تحمل علم فلسطين. وبعد تردد سألتهن، عن دلالة العَلَم، فأوضحن أنّهن من "شبيبة مغاربة الانتفاضة"، وأشرن لشُبان بالقرب، وأوضحن أنهم يحتجون ضد مشاركة راقصات شرقيات إسرائيليات في مهرجان رقص. وبما أن رئيس الحكومة استجاب وألغى المهرجان، خرجوا في مسيرة دراجات احتفالية. ودعوني لفعالية يقيمونها مساء لتشجيع القراءة.
مساء جلستُ إليهم على الرصيف يوزعون كتبا عن فلسطين ويقرأون، وأخبروني بقصصهم مع فلسطين. أخبرتني فتاة كيف كانت قبل سنوات طالبة في المدرسة، أوجعتها مشاهد الحرب على غزة، وعجزت عن النوم، وفي اليوم التالي شاركت في مظاهرة، وصارت جزءا من جماعة منظمة متضامنة، وتغيّرت حياتها، لسنوات على الأقل.
إذن، ما يحدث في فلسطين الآن، ليس عابراً، يحفر في وجدان جيل.
لا يعرف كثيرون ولا يربط الإعلام بين الفتاة عهد التميمي، التي صَفعت جيش الاحتلال، فاعتقلها، وواقع قريتها، النبي صالح. ويخشى كثيرون أنّ الأُمة والشّعب الفلسطيني يختبئان خلف فتاة صغيرة، وخلف أطفال يرمون أحجاراً فيما من يجب عليهم التحرك قاعدون، وهي خشية مبررة ومفهومة. ولكن الإعلام لا يُوضّح أنّ القَرية مُحاطَة بِسياج، ولها بوابة واحدة، وتحيط بها مستوطنات تسرق أرضها وماءها، والأحرى بالإعلام تصوير السياج، وأبراج المراقبة، فالجندي كان سجّاناً يدخل السجن يُعاقبهم، وعهد سجينةٌ فاض بها.
قد لا تعرف عهد في مَحبسها أنّ صورها في أيدي فتيات وشبان في عمّان، وبيروت، والقاهرة وحول العالم.. مِنْ رفعِ صورها زرعوا داخلهم بِذرة غير عابرة.
هذا الأسبوع أيضاً اعتقل الإسرائيليون منذر عميرة (أبو عاهد)، الذي يحلو لكثيرين تسميته باسم "القائد الميداني" لأنّه دائماً في الميدان في بيت لحم ومحيطها، مع ثُلّة من أصدقائه، الذين ينتمون لأكثر من تنظيم سياسي، ولا ينتظرون تعليمات تنظيماتهم، ويعملون معاً في كل مكان. يواجهون المستوطنين في اعتداءاتهم، يذهبون لقطاف الزيتون في الأراضي التي يهددها الاحتلال، ويزرعون الأرض المهددة، ويقفون في وجه الجنود عندما يأتون لهدم بيت. واجه أبو عاهد، قبل أشهر موقفا غريبا؛ فالأطفال من عُمر عهد، وأصغر منها، كانوا يلعبون في مخيمهم، "عايدة"، قرب بيت لحم، داهمَ الجنود الأطفال، فهربوا واستولى الجنود على دراجاتهم الهوائية التي تركوها فزعاً. وبعد الخوف، كان سؤالهم: كيف نستعيد "ألعابنا"؟ فوعدهم أبو عاهد بإعادتها. وساروا معاً ومعهم للمصادفة إعلام إيطالي، وجلسوا أمام نقطة الجنود، وهتفوا كثيراً "بدنا بسكليتنا"، "حَراميّة"، وحاول الجند إبعاد الأطفال دون جدوى، أخذوا ما لهم. وقال أبو عاهد "تخيّل لو تخلوا عن ألعابهم.. عمّ سيتخلون مستقبلاً".
عهد وأطفال عايدة وشباب ورجال يَزرَعون جيلاً جديداً في فلسطين وخارجها.
عندما تحدّت عهد، القاضي – إذا كان ما نقل دقيقاً، "ورايَ رجال في الأمة العربية"، ربما تعلم أنّه لا يوجد حقاً من تعتمد عليه الآن، ولكن يبدو أنّها مؤمنة بما سيأتي. تماماً كفتيات قرية كوبر القريبة من النبي صالح اللاتي ضحكن قبل أشهر يوم هاجم مستوطنو حلميش القرية فتصدى لهم الشباب وطاردوهم في الأودية والتلال. ربما تتحدث عهد مؤمنة بنفسها وبهؤلاء الشباب والفتيات.
عندما خرج عمر العبد من كوبر وهاجم مستوطنة حلميش، غنى له المُغنّون في الأعراس، أغاني "الدّحية الحربية"، واعتقل الجنود المُغنّين. والآن سيغنون لعهد وأهلها.
في مخيم شاتيلا ما يزال أطفال يغنون لعلي أبو طوق الذي استشهد في الثمانينيات، الفدائي الذي اشتهر بتحصين قلعة شقيف ومواجهة الجيش الإسرائيلي بالبندقية، واشتهر بتنظيم ألعاب ودروس الأطفال حتى صار هناك ما يعرف باسم "أولاد علي".
الدّحية أغنية لا تحتاج موسيقى كثيرة، هي اجتهادُ المُغنّي الشعبي، في ظل غياب الفرقة الغنائية الكبيرة المُجهَّزة، ولكنها تملأ الشباب حماسةً. ونضالُ، عَهد وأَطفال "عايدة"، هو دحّية وسط غياب الاستراتيجيات الرّسمية العربية والفلسطينية المُجهَّزة. وبانتظار تحول الدّحية إلى أوركسترا تحرير.
جزء مما في هذا المقال خصصت له مقالات سابقة، ولكنّ هناك شيئا يَتكاثَف.
الغد 2017-12-29