الكنيست الإسرائيلي يقترح شعفاط عاصمة فلسطينية؟
قبل عدة أعوام بدا أن الموضوع الفلسطيني قد اختفى من التداول في الدوائر الإسرائيلية، في اشارة لاطمئنان الدوائر الإسرائيلية أن لا شيء يقلقهم في هذا الملف، وانشغلوا بقضايا داخلية، أما الآن فمع تدافع القوانين الإسرائيلية، يبدو وكأنه لا يوجد ما يشغل الإسرائيليين من مشكلات سوى سن قوانين وتشريعات ضد الفلسطينيين، جزء لا يستهان منها بلا معنى عملي وتكرار لشيء قديم، وآخرها التعديل القانوني الجديد حول القدس. ربما تكون الإدارة الأميركية الحالية أثارت غريزة الهجوم عند النواب الإسرائيليين، ولكن على الأغلب هناك من يهرب من قضايا الفساد والعدالة الاجتماعية والاقتصاد وغيرها للموضوع الفلسطيني والقدس، كما يجد في الأمر مجالاً لكسب الشعبية بين الناخبين.
اتخذ الكنيست الاثنين الفائت، القرار اللازم لسن قانون يتطلب أغلبية الثلثين تصويتاً لتغيير حدود القدس في إطار أي اتفاق سلام. ويبدو التغيير القانوني بلا معنى حقيقي لعدة أسباب، منها أنه يسمح بتعديله وتغييره بأغلبية النصف + 1 من أعضاء الكنيست. ولعل من مؤشرات افتقاد القانون لمعنى قانوني، أنّ جيروزالم بوست وضعت عنواناً لتقريرها عن التصويت للقانون "الائتلاف اليميني يجيز قانونا يسمح بتقسيم القدس"، فهناك قانون أصلا يتطلب إجراء استفتاء للتخلي عن أي أراض عليها سيادة إسرائيلية، والإسرائيليون يعتبرون أنّ لهم سيادة على القدس.
هذا القانون يضاف لقانون أقر عام 1990، يمنع أي تفاوض حول وحدة القدس، وما جرى الآن هو تعديل على قانون سابق. وهو تعديل جديد يضاف لتعديل أقر عام 2000، على القانون الذي أقر أصلا سنة 1980. وفي حالة هذه التعديلات والقوانين كان دائماً هناك خوف من اتفاق سلام قريب، أمّا الآن فالتعديل رغم أن فرص أي اتفاق تبدو بعيدة جداً، لكنه ضمن موسم قطف ثمار تواجد إدارة دونالد ترامب، وموسم المزايدات السياسية والتسابق على العداء للفلسطينيين، بين السياسيين الإسرائيليين القويين انتخابياً الملاحقين بقضايا فساد في الوقت ذاته.
كذلك فإنّ هذا القانون يلغي نصا يمنع تغيير حدود البلدية، من هنا فإن اقتراحات مختلفة قد تبرز في المستقبل. فمن جهة هناك توجه عند بعض المسؤولين الإسرائيليين لإخراج مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية، مثل قلنديا وشعفاط والرام وغيرها من حدود القدس، بهدف ضمان رقي "عرقي" يهودي أكبر في المدينة، ولكن هذا يفتح الباب لتسهيل إعادة هذه الأجزاء لدولة فلسطينية، (مع أنّه سيبقى ضرورياً إجراء استفتاء عليها بموجب قوانين سابقة)، والواقع أنّ هذا يعيد للأذهان خطة وزير الخارجية الإسرائيلي في حكومة إيهود باراك نهاية التسعينيات شلومو بن عامي، الذي اقترح حينها توسعة القدس لتضم أبو ديس والعيزرية ثم تقسّم القدس فتكون هذه مقر العاصمة الفلسطينية.
من الناحية السياسية، يدّعي رعاة القانون أنهم يريدون جعل تقسيم القدس أصعب، وبالتالي حتى اتفاق سلام سيصبح أصعب، ولكن في الواقع أنّ سن هذه القوانين المتكررة، يعني ببساطة اعترافا بأنّ موضوع القدس ليس موضوع إجماع بين الإسرائيليين، وأنّ هناك خوفا مستمرا أنّ أغلبية قد تقرر يوماً الخروج من المدينة، أو جزء منها، في إطار اتفاق مع الفلسطينيين.
مثل هذه القوانين ربما تأتي من باب المزايدات السياسية، وتسابق النوّاب لادعاء تشدد أكبر من الآخرين، ولكنها أيضاً تحرف الانتباه عن قضايا لا يراد بحثها، مثل قضايا الفساد التي تحيط بالحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، وقضايا العدالة الاجتماعية بين الإسرائيليين، كالتي أدت لموجة احتجاجات عام 2011، وفي ذات جلسة تعديل قانون القدس، جرى تمرير قانون كان سيحظى بنقاش أكبر لو لم يترافق إقراره مع موضوع القدس، وهو اعطاء مئات آلاف الشواكل للمرشحين من أصحاب منصب وزير ونائب وزير، عندما يدخلون حملات انتخابية في أحزابهم لاختيار مرشحيهم للكنيست، وهو ما سيدفعه دافعو الضرائب الإسرائيليون. وفي الوقت الحالي يستفيد وزراء حزب الليكود أكثر من غيرهم من هذه الأموال.
انتقل الإسرائيليون من إهمال الموضوع الفلسطيني قبل عدة سنوات إلى استخدام القدس والمستوطنات مجالا للتنافس بينهم ولتحقيق مكاسب مستغلين وجود إدارة دونالد ترامب والضعف العربي والفلسطيني، وضعف الموقف الدولي الأوروبي والصيني والياباني.
الغد 2018-01-04