عودة الرجل الأخضر
منذ أن بدأت الكتابة في هذه الزاوية، وأنا أتمترس خلف معنى جليلٍ أحاول أن أتمثله، ولا أخرج عن دائرته، ما استطعت السبيلا: (من لا يستحسن الحسن، لا يستقبح القبيح). ولهذا أؤمن أن الحق الذي أجيزه لنفسي بانتقاد أي لطخة سوداء أراها في حياتنا ومسؤولينا، يتوجب علي أن ألتزم به، حينما أرى شيئاً يستحق الثناء.
قبل أن أشكر وزارة الزراعة على خطوتها المنصفة، حتى ولو جاءت متأخرة، بحق الرجل الأخضر، أجد مناسباً أن أشيد بجوانب مضيئة وجدتها في الوزارة، التي اراها وزارة سيادية، الأمر الذي يجعلنا نربي الأمل، بأن القادم أجمل.
عاينت عن كثب مهرجان الزيتون الثامن عشر الذي ينظمه المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي، فكان بؤرة لامعة تستحق التقدير؛ فالزيت دمنا الثاني. المهرجان عمل على تجذير المفهوم العملي لحب الأرض وخيراتها. ووجدت أن أكثر من 400 مزارع من ذوي الدخل المحدود نالهم دعم منه، وأن مبيعات السيدات الريفيات قارب النصف مليون دينار؛ ما يؤشر إلى وعي حيوي بدأنا نلمسه في نهج الوزارة.
وبحركة تنظيمية رائدة قامت بفصل الجانب الإرشادي عن مهام المركز الوطني للبحث، وهي خطوة متأخرة سنوات طويلة. فالمركز يعد الذراع العلمية والتقنية للوزارة، ويجب تمتين هذا الجانب لا مشاغلته بقضية الإرشاد التي تستطيع أن تقوم بها مديريات أخرى.
وللمرة الأولى في تاريخنا يتم حبس معتد على ثروتنا الحرجية. وقد وجدت أن اليد الطولى كانت لوزير الزراعة شخصياً بمثابرته على تطبيق القانون واعتبار القضية قضية حياة أو موت.
قبل أكثر من سنتين نُقل مدير الحراج، المهندس محمد الشرمان إلى وظيفة مستشار في إحدى مديريات الزراعة. فوقفت ضد هذه الحركة في حينها؛ لأنني شعرت بأنها تريد أن تقصي الرجل، الذي يشهد له بالنشاط وعلو الهمة. وطالبت بالتراجع عن القرار، وإنصاف الرجل، كي لا تشيع فينا سمة بغيضة، أن من يعمل بجد لا يكون مصيره سوى التهميش والإقصاء، أو أن يغدو مستشاراً لا يستشار.
من قبل كنت أطلقت على الشرمان لقب (الرجل الأخضر)، ليس لأنه أول من ارتدى زي رجال الحراج (الطوافين)، بل لأنه يرى الشجرة أعزَّ عليه من يمينه، وأقرب من ولده، يعرف قيمتها، ووزنها، وحين يحدثك عن الأشجار، ستقرأ بصوته معنى جذورنا الضاربة في حب الأرض والحياة.
اليوم أجدني شاكرا للوزارة لإنصافه الرجل بإعادته إلى هذه المديرية الحصن، مطالبا لها بمزيد من الصلاحيات كي يستطيع رجالها (الجيش الأخضر) أن يبقوا على ما تبقى من غاباتنا.
الدستور 2018-01-09